أي كويت تنتخب؟

TT

كنت أكتب عن الكويت لأقل من الانتخابات بكثير. وأندم الآن على الكتابة في بعض شؤونها الصغيرة التي لا تعني سوى أهلها. ويسوؤني الآن أن أرى أن انتخابات مجلس الأمة أضحت موضوعا محليا بعدما كان الشأن الكويتي يتصدر اهتمامات العرب، وغالبا تعاطفهم أيضا. وكان عرب كثيرون يشعرون أن لهم في الكويت مرجعا قوميا ومفزعا مدنيا. وكانت تجربة الكويت البنائية والعمرانية والقانونية، نموذجا ومثالا. فقد تجاوز حجمها الأدبي والمعنوي في العالم العربي بمسافات حجمها الجغرافي. وخلال زمن طويل كانت الكويت «حاجة» عربية، تتطلع الناس إلى دورها في النزاعات، وإلى مساهماتها المالية المنظمة في تمويل الدول المحتاجة.

البرلمان والصحافة والبنوك بهرت بنجاحها العرب الآخرين. وكان المسؤول الكويتي إذا زار بلدا ضخما مثل مصر، قوبل في موازاة مسؤولي الدول الكبرى. وفي القمم العربية كانت الأغلبية تستطلع موقف الكويت وتتأثر به. ومؤسف أن الكثير من هذا قد ضاع. وجعلت المهاترات والخطاب الرديء في البرلمان وفي الصحافة وفي الديوانيات، جعلت من البلد مشاغبة محلية لا تنام. وصارت السياسة مجموعة اتهامات وصراخاوتعابير سوقية غريبة على المجتمع الكويتي.

هل الغزو العراقي هو الذي زلزل القيم ومسيرة النمو؟ لا. هذه ذريعة بائخة، تستخدم لتبرير مظاهر قلة الأخلاق في لبنان. فبعد حرب عالمية ذرية نهضت اليابان بأهم مما كانت عليه. وأذهلت ألمانيا العالم بسلوكها وتطورها. النفوس الضعيفة لا تنتظر حربا كي تكشف عن حقيقتها.

مؤسف أن أحدا لا يتوقع شيئا من انتخابات عامة. لا الكويتيون ولا العرب ولا الدوائر الدولية التي كانت تتابع الشؤون الكويتية بتقدير، وتحرص على علاقاتها مع سياسيي الكويت وشخصياتها. وهناك خوف حقيقي من أن يستمر الانزلاق السياسي والاجتماعي، الذي تعكسه منذ سنوات مماحكات صغيرة ومعارك صحافية وبرلمانية، تحط كثيرا من قدر الكويت الماضي.

يحدث هذا في زمن عربي كان يفترض أن يرى في الكويت قدوة، وأن يرى فيها مشجعا على حاله لا أن يخاف على تردي الخطاب السياسي فيها إلى هذا الحد.

فيما كان العالم العربي يغلي خوفا على مصيره، خاض المرشحون معاركهم في الخيام والمآدب وأخبار الرشى العلنية. وعلى الرغم من بروز بعض الشخصيات المطمئنة للنفوس، ظهر رجال كثيرون يبدو أنهم دون مستوى الماضي الكويتي ودون مستوى تحديات المستقبل. وهذه المرة تختلف عن كل ما عرفته الكويت وما عرفناه في الماضي. لكن يبدو أن أحدا لا يلاحظ الفرق، كما كتب الدكتور محمد الرميحي، الذي قال آسفا إن الأحفاد يخوضون المعركة بعقلية الأجداد. يا ليت، يا أبا غانم!