مع تعاصف الأخبار الواردة من سوريا، وتواترها بأن المشهد الداخلي يتبدل بقوة، وأن هناك مناطق بأكملها يتم «تحريرها» من قبل الجيش السوري الحر، وتكبيده قوات نظام بشار الأسد خسائر كبيرة جدا في العتاد والجنود؛ فمن لا يفر هاربا ينشق وينضم للجيش السوري الحر، وحتى كتابة هذه السطور المتسارعة والمتلاحقة، كان ريف دمشق يتساقط في مناطق مختلفة منه في قبضة الثوار، ويعلن الجيش السوري الحر أنه عمليا على بعد ثمانية كيلومترات من القصر الجمهوري. وفي داخل دمشق مشاهد عنيفة لتفجيرات في ساحة العباسية وساحة الأمويين يقوم بها الجيش السوري الحر داخل العاصمة تارة، وشبيحة النظام تارة أخرى، لإرهاب الأهالي ومنعهم من التظاهر، ولكن اليوم أكبر مدينتين؛ دمشق وحلب، انضمتا فعليا للثورة، بعد فترة طويلة من «التعايش» مع قبضة النظام الأمني.
الحالة الأمنية باتت «متوحشة»، فهي تعتمد على القتل والإبادة الفورية، من دون خطة ولا رؤية، وهي مسألة تزيد الثوار إصرارا وعزيمة على المواصلة للنهاية، وحتى إسقاط النظام، وهو الهدف الواضح الآن لهم. تصريح أحد أهم مساعدي الرئيس الروسي ميدفيديف، وهو يقول إنهم يحاولون إقناع الرئيس السوري بشار الأسد بالتنحي الفوري، يدلل على أن الروس باتوا غير قادرين على حماية النظام ورأسه، وكذلك التدهور الاقتصادي المهول الذي تشهده البلاد، ووجود حالة تضخم في سلع الغاز والمازوت والخضراوات تجاوزت الـ400 في المائة، مما أجبر النظام على إعلانه أنه يستعد لطرح ورقة من فئة الـ2500 ليرة لأول مرة، وذلك لمراعاة الظروف الجديدة القاسية، وكذلك مع وصول الدولار لمعدلات صرف تجاوزت الـ75 ليرة، ويرافق ذلك هروب متواصل لأهم الأسر التجارية من حلب ودمشق، خوفا على حياتهم، بعد أن دمرت قوات الشبيحة الكثير من منشآتهم التجارية كابتزاز.
ويحاول العراق أن يدعم النظام الأسدي المتهاوي بدفعات تبلغ ملياري دولار بشكل دوري، ولكن يبقى الوضع أخطر وأدق مما يمكن أن يساعد فيه مبلغ كهذا. الانشقاقات طالت هي الأخرى الحرس الجمهوري والمخابرات بأفرعها، ولم تعد تقتصر على الجيش فقط. وهناك استعداد لفتح مطار القليعات في شمال لبنان، وهو المطار العسكري الذي يجهز ليتحول لمطار مدني، وهو الذي يبعد مسافة ستة كيلومترات فقط عن الحدود السورية لما يعتقد أنه سيكون مستخدما للتعامل مع نزوح هائل متوقع لأعداد كبيرة من الأسر السورية الهاربة من قمع نظامها المتوتر، وكذلك وسط ازدياد الأخبار عن قرب إغلاق مطار دمشق الدولي لأسباب أمنية واحتياطية.
هناك سباق زمني محموم لنقل الملف السوري لمجلس الأمن لاستصدار قرار أممي يضع حدا للمذبحة الحاصلة من النظام السوري في حق شعبه، ومن جهة أخرى، يحاول النظام السوري استنزاف الوقت وإهداره بالمماطلة حتى نصف شهر مارس (آذار)، وهو الموعد الذي ستنقل فيه رئاسة جامعة الدول العربية بشكل دوري تقليدي من قطر إلى العراق، المتعاطف والداعم بشكل خطير للأسد وزمرته.
الروس يقاومون ويحذرون من أي قرار يصدر ضد سوريا ونظامها، ولكن بات لديهم قبول وقناعة بـ«الحل اليمني»؛ تنحي الأسد الفوري وخروجه وزمرته إلى خارج سوريا وتسليم السلطة لنائبه، وهناك الحراك الحاصل على الأرض؛ زيادة حجم الانشقاقات وتزايد الدعم للثورة والثوار والتعاطف العالمي مع ضحاياها وهم يلقون حتفهم بالعشرات يوميا، وسط تقاعس المجتمع الدولي، على الأقل مقارنة بما تم مع القذافي وليبيا، التي شهدت تحركا وتدخلا حاسمين، ولم يكن هناك مشهد أوقع ولا أبلغ من مراسلة الـ«سي إن إن» المسموح لها بالعمل داخل الأراضي السورية وهي تحاور بعض أفراد الجيش السوري الحر في منطقة سقبيا، في ريف دمشق بعد «تحريرها»، فاليوم الثوار والجيش السوري الحر يتعاملون مع نظام الأسد على أنه جيش محتل، وليس جيشا وطنيا، وأن سوريا محتلة يجب تحريرها منهم، وهي مسألة جوهرية ومهمة إذا ما استوعبها العالم والعالم العربي والإسلامي تحديدا، فسيستطيع تفهم معاناة شرفاء سوريا الأبطال ودعمهم بالشكل المطلوب.