تردد اسم البريطاني مارك سايكس والفرنسي فرنسوا جورج بيكو، في عالمنا، بقدر ما تردد مصطلح «قضية الشرق الأوسط». بعد مرور نحو قرن على اقتسام العالم العربي بين لندن وباريس، وفقا لخرائط الرجلين، لا نزال نكتشف أشياء جديدة عن خفايا الشرق الأوسط (القديم). وكتاب جيمس بار الحديث «خط في الرمل» يظهر للذين قرأوا كثيرا عن الأمر أنهم إنما عرفوا قليلا.
ذهبت فلسطين في النهاية إلى الانتداب البريطاني، لكن بار يخبرنا أن الفرنسيين كانوا يصرون على أن تكون من حصتهم كجزء من سوريا كبرى وليس كدولة منفردة، وعندما اختلف البريطانيون مع اليهود قام الفرنسيون سرا بتسليح ودعم فرق الهاغانا وغيرها. كان العداء بين الفريقين حادا، وقد تقاسم سايكس وبيكو المنطقة كخصوم وليس كحلفاء. و«تنازل» الفرنسيون عن فلسطين بعدما أقر لهم البريطانيون بالاستعمار في المغرب. لكن الفريقين لم يكفا عن مكايدة بعضهما البعض، وفي لبنان دعم المندوب السامي البريطاني الاستقلال العاجل نكاية بالفرنسيين وشارل ديغول، وحرض السياسيين على عدم القبول بأي مهلة يطلبها الفرنسيون.
كانت بريطانيا وفرنسا تقتسمان الإرث التركي آنذاك، بعدما أبعد الإنجليز تركيا من مصر. وأوكلت الأولى الأمر إلى سايكس الذي عاش فترة في مصر ولبنان مع والديه، أما بيكو فكان ابن القنصل الفرنسي في بيروت، الذي وعد اللبنانيين والسوريين بالمساعدة على الاستقلال عن تركيا، ولشدة ما كان مهملا فقد سافر إلى فرنسا تاركا مراسلاته مع طلاب الاستقلال في مكتبه، وقد ضبطها الأتراك وأعدموا جميع أصحابها، مسلمين ومسيحيين، شنقا، فيما لا يزال يعرف إلى الآن «بساحة الشهداء». يحتفل اللبنانيون بالمناسبة في 6 مايو (أيار)، وقد ضموا إليها شهداء الصحافة، مثل كامل مروة وسليم اللوزي ورياض طه وجبران تويني.
تصرف سايكس وبيكو بالأرض العربية على أنها مجرد صحارى وبواد لا تفيد شيئا إلا كمواقع استراتيجية. و«أعطت» بريطانيا الفرنسيين لواء الإسكندرون على أساس أن لا حاجة لها به لحماية الطريق إلى الهند، ثم عادت فطلبته، لكن الفرنسيين رفضوا، وسلموه في النهاية إلى تركيا، التي تسميه الآن إقليم هاتاي.
كلما قرأنا في التاريخ حضر سؤال لا مفر منه: من قسم المنطقة وشعبها أكثر، الاستعمار أم نحن؟ من مزقها أكثر؟ من خاض حروبا أكثر؟ من حرض أكثر على الانقسام واستخدم قاعدة فرق تسد؟
اسمان رديئان في تاريخنا، السير سايكس والمسيو بيكو. كم هي طويلة لائحة الأسماء التي تكتب بأحرف عربية.