أفكار عن المنتدى الاقتصادي العالمي لعام 2012

TT

في الوقت الذي تقرأ فيه مقال هذا الأسبوع، سأكون في أبوظبي. وبينما أستمتع ببعض من دفء الخليج، سيكون الساسة والممولون ما زالوا يعانون من تجمد المفاوضات من أجل إتمام صفقة في اليونان.

عقب اتخاذ إجراء مماثل من الوكالة المنافسة «ستاندرد أند بورز» (إس أند بي) في وقت سابق من هذا الشهر، خفضت وكالة «فيتش» التصنيف الائتماني لإيطاليا وإسبانيا وسلوفينيا بمقدار درجتين والتصنيف الائتماني لبلجيكا وقبرص درجة واحدة. ولم تقم «فيتش» بخفض التصنيف الائتماني الممتاز لفرنسا على الرغم من قيام «ستاندرد أند بورز» بخفضه قبل أسبوعين. ومع ذلك، فقد انخفضت تكاليف دين إيطاليا مؤخرا بمقدار النصف تقريبا بعد أن بلغت ذروتها ممثلة في نسبة 7 في المائة. ويجب أن يكون هذا بيانا واضحا من السوق، من ثم، ربما يكون للتغييرات في التصنيف تأثير محدود بالفعل، نظرا لأن الأسواق قد ضمنت ذلك التصنيف بالفعل.

وقد حذرت حكومات ومؤسسات منطقة اليورو من أنها ربما تضطر إلى زيادة مساهمتها في حزمة الإنقاذ الثانية المقدمة لليونان. وقال أولي رين إن «حلا مستمرا لأزمة اليونان» من شأنه أن يتضمن زيادة في تمويل القطاع الرسمي. إن ما تم استخلاصه من منتدى دافوس يوم الجمعة هو أن اليونان تتوقع ختام المحادثات العسيرة المتعلقة بالدين مع الدائنين من القطاع الخاص خلال أيام وإنهاء المفاوضات مع الاتحاد الأوروبي وصندوق النقد الدولي بشأن صفقة حزمة إنقاذ جديدة منتصف الأسبوع القادم.

إن الفارق بين النسبة التي ترغب الحكومة اليونانية في سدادها، والمقدرة بـ3.5 في المائة، وتلك التي يرغب الدائنون في سدادها والبالغة 4 في المائة، هو نصف في المائة فقط. وقد أكد دائنو اليونان على أن بإمكانهم تقديم عرض جديد لليونانيين. وقال جوزيف أكيرمان من «معهد التمويل الدولي» إن جانبه كان مستعدا للتفاوض، لكنه حث الآخرين على اتخاذ إجراء حاسم. من المفهوم أنه يمكن أن يقبل «معهد التمويل الدولي» نسبة مخفضة قيمتها 3.75 في المائة. قلت منذ بضعة أسابيع إنني أعتقد أن ساسة المنطقة يتعين عليهم أخذ زمام المبادرة في إعادة بناء ثقة المستثمر في المالية العامة لمنطقة اليورو - بضمان نظام مالي جيد والتفعيل الكامل لصندوق الإنقاذ في أوروبا، مرفق الاستقرار المالي الأوروبي. توقعت أنهم في اللحظة الأخيرة سيفعلون ذلك.

الآن، دعونا نر؛ تتمثل مشكلة أخرى كبرى في عدم التكافؤ في المجتمع. في المنتدى الاقتصادي العالمي هذا الأسبوع، ظهرت مشكلة تزايد عدم التكافؤ على السطح بوصفها واحدة من أبرز القضايا في التجمع الدولي لكبار قادة الأعمال والقادة السياسيين. وعادة ما ينظر إلى هذه المشكلة بوصفها تتعلق بالبنوك وغيرها من المؤسسات الأخرى متعددة الجنسيات، لكنها في حقيقة الأمر، أحد المحركات الأساسية التي حفزت شعوب العديد من الدول العربية العام الماضي على الوقوف والمطالبة بالتغيير.

إن هذه المشكلة لن تزول بسهولة، ويتحتم أن يكون عدم التكافؤ المتزايد هو القضية التي يولي لها القادة الأولوية في أعقاب الأزمة الاقتصادية، حسبما أشارت شخصيات اقتصادية بارزة في المنتدى الاقتصادي العالمي.

وليست إنجلترا وحدها في الجدل المثار حول ما إذا كانت الفجوة الآخذة في الاتساع بين الأغنياء والفقراء أمرا إيجابيا بالأساس.

إنها واحدة من أهم نقاط الحديث في دافوس، لسبب واضح. كان ينظر لزيادة عدم التكافؤ في المجتمع واتساع الفجوة بين الأغنياء والفقراء كثمن حتمي للرخاء العالمي المتنامي خلال أعوام الازدهار. لكن منذ الانهيار المالي الهائل الذي حدث في عامي 2007 و2008، عندما انزلقت غالبية دول الغرب المتقدمة من الركود إلى الكساد، لم يعد من الواضح أي فائدة يمكن أن تعود على الغالبية العظمى من الشعب عندما تصبح نخبة ضئيلة من أصحاب الدخول المرتفعة أكثر ثراء.

إن مواجهة عجز «جيل ضائع» من العاملين عن الحصول على وظائف تعد واحدة من أعظم مشكلات الاقتصاد العالمي، بحسب مفوضين في المنتدى الاقتصادي العالمي.

وقال أستاذ جامعي إن الولايات المتحدة، صاحبة أكبر اقتصاد في العالم، تعاني من «أزمة بطالة». وتعاني الدول في الغرب من مستويات بطالة مرتفعة بين الشباب. كانت هذه مشكلة أيضا في بعض دول الشرق الأوسط، ونحن جميعا نحتاج للتفكير جديا في كيفية حل هذه المشكلة في كل دولة.

وقد حث بعض قادة أفريقيا على تعاون أوثق داخل القارة في مشروعات الطاقة والبنية المساعدة لتعزيز توقعات النمو. ولدى حديثه في دافوس، حث رئيس جنوب أفريقيا، جاكوب زوما، على القيام باستثمارات ضخمة في مجال البنية التحتية لتعزيز التجارة داخل أفريقيا.

وللقيام بكم كبير من الاستثمارات، يجب تنفيذ استثمارات دولية، ومن أجل الحصول على دعم المستثمرين الدوليين، تحتاج بعض الدول الأفريقية لاتخاذ مزيد من الإجراءات من أجل بناء الثقة في إداراتها. وقال رئيس الجلسة، رئيس وزراء بريطانيا السابق، جوردون براون، إن القارة بحاجة لاستثمارات تقدر بمليارات الدولارات في البنية التحتية، لكن التعقيدات الروتينية ومشكلات المعابر الحدودية تعرقل تحقيق هذا الهدف.

وفي حديثه في أول زيارة له للمنتدى الاقتصادي العالمي، قال كوندي، رئيس غينيا، الذي وصف نفسه بأنه أول رئيس ديمقراطي للدولة بعد عشر سنوات من النظام الديكتاتوري: «إذا رغبنا في المضي قدما، فعلينا أن نساعد أنفسنا بأنفسنا. وإذا فعلنا هذا، يمكننا الاتفاق على إنتاج طاقتنا الخاصة وكسر الحواجز التي تعوق التجارة».

ومضى قائلا: «يجب علينا نحن القادة الأفارقة تغيير سلوكياتنا.. ليست لدينا أموال مودعة في بنوك بالخارج.. علينا أن ننمي موارد خاصة بنا لأجل شعبنا. لدينا عيوب عديدة، نحن أنانيون نوعا ما، ونحارب من أجل السلطة لا من أجل شعبنا. إنني هنا لأوضح أن هناك أفريقيا جديدة.. ولأوضح أننا يمكن أن نكون قارة القرن الحادي والعشرين».

في هذا الأسبوع، ثمة نوع من هدوء التوترات التي اتسم بها هذا الشتاء الاقتصادي الكئيب، وعلى وجه الخصوص في الولايات المتحدة، بل وحتى في شمال أوروبا. غير أن المخاطر تظل ممثلة في احتمال أن تؤدي ديون جنوب أوروبا غير المستدامة إلى انهيار الاقتصاد العالمي.

ومثلما توقع المستشار البريطاني، جورج أوسبورن، في مقاله الأسبوع الماضي، أعلن عن خطط لأن تصبح لندن المركز الغربي للتداول بعملة الرنمينبي الصينية. قال أوسبورن: «لندن في موقع مثالي يكفل لها أن تعمل كبوابة للمعاملات البنكية والاستثمارات الآسيوية في أوروبا، وأن تكون جسرا يصل بالولايات المتحدة». وأضاف: «إنها تعكس قدرة لندن على تطوير المنتجات ونظامها الرقابي وعمق واتساع نطاق أسواقها المالية وإمكانية الوصول الدولي إليها. كذلك، فإنها موقع مثالي للمستثمرين من الشرق الأوسط الذين قد يرغبون في المشاركة في النشاط المالي الصيني».

وجاء بيان آخر هام هذا الأسبوع من بورصة لندن، حيث رحبت بإدراج صكين آخرين هذا الشهر، بحيث يصل إجمالي عدد الصكوك التي تم إدراجها بالبورصة إلى 42 صكا، وإجمالي الأموال التي تم جمعها إلى نحو 23.75 مليار دولار أميركي. أصدرت شركة «إي آي بي» المحدودة للصكوك شهادات ضمان قيمتها 500,000,000 دولار أميركي وأصدرت شركة «إف جي بي» المحدودة للصكوك شهادات ضمان قيمتها 500,000,000 دولار أميركي.

يبدو أن لندن هي الموقع الذي يقع عليه اختيار العديد من شركات إصدار الصكوك الدولية، حيث إنها تمتلك بورصة تحظى بمكانة مرموقة على المستوى العالمي. وإدراج صكوك بمثل هذه السوق ذات المكانة المرموقة يسمح لأي شركة بتحسين صورتها أمام المستثمرين بمختلف أنحاء العالم. وتعتبر لندن هي الموقع الوحيد الرئيسي لإدراج الصكوك الذي لا يفرض رسما سنويا على جهات إصدار سندات الدين وسندات الاستثمار المالي البديلة، مثل الصكوك.

ومن ثم، فإن منتدى دافوس بدأ يدرك بشكل عام بعض معوقات التنمية والانتعاش الاقتصادي وقيام عالم أفضل. والآن، ثمة جهد شاق يجب بذله في هذا الصدد.

إن كلا من الولايات المتحدة وأوروبا وأفريقيا والشرق الأوسط بحاجة لتغيير. والسؤال هو: هل يمكننا أن نجري هذا التغيير خلال الأعوام القليلة المقبلة؟ إن كلا منا يجب أن يلعب دورا في الإجابة عن ذلك التساؤل المطروح.

* أستاذ زائر بكلية

لندن ميتروبوليتان

لإدارة الأعمال ورئيس مجلس إدارة «ألترا كابيتال»