هل حكومة جنوب السودان مقبلة على الانتحار؟

TT

لقد ولدت دولة جنوب السودان في 9 يوليو (تموز) عام 2011 على أساس النية الطيبة والثروة. وتحصل حكومة جنوب السودان على 1000 دولار سنويا لكل مواطن من الثمانية ملايين نسمة الذين يشكلون عدد السكان بفضل إنتاج ثلاثمائة وخمسين ألف برميل نفط يوميا، ولكن هنالك عقبات لتحصيل مثل هذا الدخل، حيث يمر خط الأنابيب الوحيد بشمال السودان، مما يتيح لحكومة الخرطوم السيطرة على هذا الشريان الاقتصادي الهام لجنوب السودان، ولم يتم التوصل في يوم استقلال جنوب السودان إلى أي اتفاق يحدد شروط استخدام هذا الخط.

ونظرا لأن السودان لا تزال بلدا واحدا، يذهب 50 في المائة من عائدات نفط الجنوب إلى خزانة الدولة المركزية، وتمثل تلك العائدات 40 في المائة من ميزانيتها. وبعد التاسع من يوليو، لم تتلق الخرطوم أي عائدات ولا رسوما للنقل، ولم يتم الوفاء بالوعود الدولية بتخفيض الديون ورفع العقوبات الاقتصادية من أجل المساهمة في سد عجز الميزانية. كذلك لم تثمر المفاوضات المستمرة التي تعقدها الهيئة العليا للاتحاد الأفريقي بشأن السودان، برئاسة رئيس جنوب أفريقيا السابق، تابو مبيكي، والتي أعمل مستشارا بها. وفي 20 يناير (كانون الثاني)، أعلنت دولة جنوب السودان عن اتخاذها خطوة انتقالية هامة هي وقف إنتاج النفط. وبالنظر إلى أن عائدات النفط تمثل 97 في المائة من ميزانية جنوب السودان، تبدو هذه الخطوة انتحارية. وسبب اتخاذ هذه الخطوة تحويل الخرطوم للنفط إلى مصافيها الشهر الماضي وملء ثلاث حاويات.

منذ عام، هنأ الرئيس عمر البشير رئيس دولة الجنوب، سلفا كير، على الاستقلال ووعد بفتح صفحة جديدة وطي صفحة الماضي المليئة بالاضطرابات بين الجنوب والشمال، لكن سرعان ما اتخذ ذلك منحى آخر، خاصة مع اندلاع الصراع في منطقتين بشمال السودان هما جنوب كردفان والنيل الأزرق، حيث يدين نحو نصف السكان بالولاء إلى الثوار السابقين لحركة تحرير شعب السودان، الذين يشكلون حكومة جنوب السودان حاليا.

رغم أن من المفترض أن الجزء الشمالي من الحركة منقسم، ولا يخفي الجنوب تضامنه مع رفقاء السلاح السابقين الذين يشكلون الجناح المتمرد ضد حكومة شمال السودان.

واشتكى موفدو الخرطوم من المحادثات التي اختتمت أعمالها مؤخرا في أديس أبابا قائلين: «لماذا ينبغي السماح لنفط الجنوب بالتدفق بحرية إلى السوق، بينما يتم استخدام هذه الأموال في تسليح المتمردين الذين يريدون تدميرنا؟». وأتبعوا ذلك بوعد بالتساهل في هذا الموقف بعد الموافقة على دفع حكومة الجنوب رسوم نقل تكافئ المبلغ المطلوب من أجل سد ثلث عجز الميزانية. ورد المسؤولون في الجنوب قائلين: «لماذا نسمح بسرقة نفطنا واستخدام أمواله في شراء أسلحة لقتل رفقائنا في السلاح؟ لطالما رغبت الخرطوم في السيطرة على الجنوب وكانت مستعدة للتضييق علينا ماليا في رسالة مفادها أنهم لن يسمحوا لنا بأن نكون أحرار حقا». وتعمل حكومة الجنوب في جوبا على وضع خطط من أجل إنشاء خطوط أنابيب جديدة تمر عبر كينيا. ومن المأمول أن يتكلف هذا المشروع من 3 إلى 4 مليارات دولار ويتم الانتهاء منه في غضون ثلاث سنوات تقريبا، لكن يفضل الكثير من قادة الجنوب عدم استخراج النفط على تسليمه بالأمر والإجبار إلى حكومة الشمال.

لذا بدأ جنوب السودان في الانتحار اقتصاديا، فقد بدأ بالفعل في إغلاق آبار النفط وفي غضون أسبوع ستبدأ شركات النفط فتح المياه على خط الأنابيب لمنع التصاق النفط داخل الخط وتحويله إلى أنبوب من القار طوله 600 ميل. الخطوة التالية ستكون العمل لمدة ستة أشهر، بحسب أفضل تقدير، من أجل إعادة فتح قناة الصادرات.

وقال المفاوض الرئيسي للجنوب، باغان أموم، إنه شعر بالراحة عندما قال: «إنها قضية عزة واحترام للذات. ربما نكون فقراء، لكننا سنكون أحرارا». مع ذلك، لا تزال دولة جنوب السودان هشة، حسبما يشير الاقتتال الأخير بين الطوائف في ولاية جونغلي. وسيحتاج الجنوب إلى مساعدات أجنبية ضخمة من أجل تعويض خسارة قدرها 650 مليون دولار شهريا.

وأشار جنرال في الشمال قائلا: «إن إغلاق آبار النفط سوف يضرنا، لكننا سنقتلهم».

لا يمكن للسودان أن يظل مستقرا إذا ظل جنوب السودان يعاني من أزمات. واستنادا إلى المبدأ الذي يقول إن شمال وجنوب السودان ينبغي أن يكونا دولتين قابلتين للحياة يسود بينهما السلام ويدعم بعضهما بعضا، اقترحت اللجنة العليا للاتحاد الأفريقي اتفاقا يقضي باستمرار تدفق النفط ووقف التصرف أحادي الجانب من قبل حكومة الشمال في نفط الجنوب، ومنح الشمال المال الكافي لعلاج الأزمة المالية. وأيدت كل من الصين، المشتري الرئيسي لنفط الجنوب، والولايات المتحدة والأمم المتحدة، الاتفاق الذي تقدمت به اللجنة العليا. وكان من المقرر أن يلتقي كل من الرئيس عمر البشير والرئيس سلفا كير في أديس أبابا يوم الجمعة. وهذه هي الفرصة الأخيرة، ليس فقط لتوصل الاثنين إلى اتفاق بشأن النفط، بل أيضا لوقف تصعيد الأمر إلى حرب بين الشمال والجنوب. يجب إذن على الطرفين أن يبتعدا عن حافة الهاوية.

* المدير التنفيذي لمؤسسة

السلام العالمي