احتمال ميونيخ ثم عمان 2

TT

انتهت محادثات عمان، أما النتيجة فيبدو أنها من النوع المتنازع عليه..

الفلسطينيون، الذين شاركوا على مضض وهم عارفون بالنتيجة قبل الذهاب، سارعوا إلى إعلان الفشل لعلهم يتخلصون من كابوس الاتهام الشعبي بأنهم يفاوضون على الرغم من استمرار الاستيطان. والأردنيون، الذين استضافوا ورعوا وعاد مليكهم من لقاء قمة مع أوباما، أعلنوا أن المحادثات كانت صادقة وجدية، بما يقرأ من بين السطور بأنها لم تفشل ولا داعي للتسرع، بل ويمكن الإقدام على محاولة ثانية.

والرباعية، التي شكلت الداعم الأول لمحاولة عمان والغلاف الدولي كذلك، فلم تعترف بالفشل، بل أوشكت السيدة أشتون على التبشير بنجاح، مرجئة الخلاصات إلى لقاء سوف يتم في ميونيخ للتقويم واقتراح المخارج. وإسرائيل، التي تعتبر أي لقاء مع الفلسطينيين هو مجرد مناسبة لاتهامهم بالسعي لتدمير المفاوضات وإسقاط عملية السلام، فقد كررت موقفها النمطي، بل إن نتنياهو سمح بتسريب حوافز يمكن أن يقدم عليها كي يبقى الفلسطينيون على موائد المفاوضات أو المحادثات.

وبوسعنا اعتبار فعاليات عمان واعتبار الـ 26 من يناير (كانون الثاني) في إجازة ضرورية يتم خلالها تقويم ما حدث بهدوء، ويستطلع الفلسطينيون مواقف وتحليلات أعضاء المتابعة العربية الذين صاروا، منذ زمن، شركاء بالجملة والتفصيل في الجهد السياسي الفلسطيني الصعب ومحدود النتائج.

وتستعد الرباعية للقاء ميونيخ، موعزة لخبرائها بالتنقيب عن مسام جديدة لعل صيغة ما تعبر من خلالها لتشكيل مبرر لجهد جديد يستحسن أن تكون عمان محطته الثانية.

هكذا تبدو الصورة وباختصار «عملية فنية» لا يجرؤ أحد على منحها شهادة الوفاة أو مواراتها الثرى وحالها شبيه بالحالة الصحية لرئيس الوزراء الإسرائيلي الأسبق آرييل شارون.

الصورة الأشمل يمكن تجسيدها على النحو التالي:

الفلسطينيون يعانون، إلى جانب الإغلاق المطلق لعملية السلام، أزمة مالية خانقة تضعهم على حافة انهيارات ذات تأثير مباشر وفادح على حياتهم. وبالتالي فإن خياراتهم البديلة التي تحدثوا عنها حال فشل لقاءات عمان لا بد أن تتأثر بأزمتهم المالية، حيث الدول المانحة لا تقدم لهم معونات خيرية، وإذا نظرنا إلى الصلة المالية بين السلطة والولايات المتحدة فإننا نرى، بوضوح، كيف يكون الضغط المباشر، وكيف يكون العقاب على المواقف، ناهيك عن الوقاحة الإسرائيلية في ممارسة العقاب المالي؛ حيث تحتجز أموال الفلسطينيين وتمنع وصولها إلى أصحابها كلما أقدم الفلسطينيون على حركة لا ترضى عنها إسرائيل، وهذا يترجَم سياسيا على أن الفلسطينيين هم الآن في قلب أزمة مركبة. هذا من دون أن نتحدث عن الأزمة الداخلية المتجسدة في تباطؤ عملية المصالحة وإنهاء الانقسام.

والإسرائيليون يراقبون، عن كثب، تفاصيل أزمة الفلسطينيين التي هم جذرها الأساسي ويعتصرون هذه الأزمة بلا هوادة، بدءا من تطاول متمادٍ على رئيسهم وتهديد حركته العادية، وليس انتهاء بمسابقة الزمن في أمر الاستيطان والمضي بسرعة قياسية نحو تحقيق أجنداتهم على الأرض بخلق أمر واقع يجعل من ابتلاعه في سياق حل سياسي أمرا أقرب إلى الكارثة التي يستحيل هضمها. وكلما تفاقمت الأزمات على الجانب الفلسطيني ضغط الإسرائيليون أكثر وصعدوا من مطالبهم وشروطهم التعجيزية.

أما الرباعية، التي هي لاعب الاحتياط في حال انشغال اللاعب الأميركي الأكبر، فهي تشكيل دولي لا علاقة له بالحل ولا حتى بمواضيع التفاوض، بل إن علاقته تبدأ وتنتهي عند ملء الفراغ ومنع إعلان الوفاة وانتظار تفاهم أميركي - إسرائيلي على أمر ما كي يتعامل معه بما يلزم، والتفاهم الأميركي - الإسرائيلي حتى الآن يتجسد في إدارة الجمود مع الانصراف إلى الأجندات الخاصة بكل طرف والأجندة الأميركية هذا العام وحتى العام الذي يليه لا مكان للشرق الأوسط فيها، فكل القضايا المثارة في زمن الانتخابات تتقدم على هذه القضية بأشواط طويلة وأولويات أكثر إلحاحا.

لا أريد الحديث طويلا عن لجنة المتابعة العربية، ولا حتى عن مجلس الجامعة العربية، ولا عمَّا هو أوسع، أي العمل العربي المشترك؛ فالجميع منشغل بمراقبة حركة الزلازل الكامنة والمتفجرة، والجميع يتحسس واقعه الخاص داخل حدوده وهمومه، وأقصى ما تستطيع المتابعة فعله هو حث الدول العربية على تسديد التزاماتها المالية تجاه الفلسطينيين، وحث الفلسطينيين على إنجاز المصالحة، وحث المجتمع الدولي على التعاون مع القيادة الفلسطينية في تحركها الدولي للحصول على مقعد فلسطين في الأمم المتحدة!! وإدانة إسرائيل في كل سياساتها العدوانية، وأخيرا سيبلغون الرئيس محمود عباس بقرارهم المحرج دائما «خذ القرار المناسب ونحن معك».

هذه هي الصورة من زاوية أكثر اتساعا وتفصيلا، وفي قلبها يقع الجهد الأردني واحتمال فعاليات عمان الثانية وهكذا..