السؤال السهل.. والجواب الصعب

TT

استكمالا لما ذكرناه يوم الاثنين الماضي، تقول (ماري):

يبدو أن بعض المتشددين علموا بوجودي وأنا المسيحية في ضيافة عشيرة (ابن شعلان)، وإذا بأحد (الملالي) يأتي يوما، ولم يدخر وسعا أو سبيلا في استغلال كل الفرص والظروف لخدمة قضيته الدينية. وكان معتمرا عمامة خضراء، مما يدل على أن نسبه يعود إلى النبي. وكعربون وشهادة على أن الفكر الرفيع المستقر في تلك الجمجمة مقرون بهذا النسب، ورغم عراقة ورفعة انتمائه، فإنه أظهر فقر حياته الأرضية؛ إذ دخل إلى مضارب العشيرة ممتطيا حمارا.. اعتقد الملا أن خطته المصحوبة بتقواه وتواضعه ستكون مؤثرة، خاصة أن التصدي للكفار هو علامة طريقه، غير أن العمامة الخضراء والحمار لم يجديا نفعا.. ولم يستغرق طويلا؛ إذ أخذ يشرح، فقوبل بصيحات من الاستهجان والسخرية وعدم الرضا.

لكنه لم يأبه لذلك، بل إنه استمر في طرح الموضوع الذي جاء من أجله قائلا بلغة بليغة: لا تخالطوا أو تعاشروا المسيحيين؛ إذ إنهم لا يستحقون ذلك حتى من قبل كلاب المؤمنين..

ثم قال مظهرا قوة تقواه: دعونا نرمِ هؤلاء الكفار القذرين.. لا تدعوهم يأكلون في ضيافتكم ولا تدعوهم يستلقون على سجادكم الذي افترشوه نتيجة كرمكم غير المحدود.. اطردوهم من خيامكم لحماية أطفالكم من اللعنات وزوجاتكم من الفساد.

وما إن انتهى من كلامه هذا حتى عم الغضب الجمع المستمع وأوقفوه عن الكلام وأمسكوه من لحيته ورموه خارج المضافة وأصبح أضحوكة.

إن البدو العرب يؤمنون بالله الواحد القدير خالق كل شيء، وأن الخير من عند الله، كما أن المصائب تأتي لعدم رضا الله، ولذا فهم لا يتذمرون منها؛ بل يقبلونها على أنها أمر الله، ويعتقدون أن البشر كلهم سواسية، ويعتبرون الطائفية الدينية في جميع الأديان ممقوتة جدا، فلم يسبب كوني مسيحية الإهانة لي أو الأذى وأنا بين البدو، رغم أنني لم أقم باستعراض لطقوسي أو لديني أمامهم.

أمضيتُ أيامي مع البدو بكثير من القناعة في ضيافتهم. لم يكن هناك جوع روحي حقيقي للممارسات الدينية، أو أي تحفظات من تجاههم.

كما أن النعيم الروحي الذي حصلت عليه في بحثي عن المناقب في أوروبا المتحضرة بتركي هؤلاء البدو الرحماء والذين هم أبناء الطبيعة، لم يكن بمستوى توقعاتي المتفائلة.

فهل عرب اليوم المتحضرون على مستوى بدو الأمس من حيث السماحة وتقبل الآخر؟!

إنني فقط أسأل، وما أسهل السؤال، وما أصعب الجواب.

[email protected]