خطر الانقلابات الإسلامية

TT

نجت المنطقة الشرقية لما كان يعرف باسم باكستان، بشق الأنفس، من محاولة انقلاب عسكري الشهر الماضي؛ حيث أعلن البريغادير مسعود رزاق، المتحدث باسم الجيش البنغلاديشي، يوم الخميس 19 يناير (كانون الثاني) عن «إحباط محاولة انقلاب قامت بها مجموعة من الضباط المتشددين حاولوا الإطاحة بالحكومة المنتخبة سياسيا».

ووصفهم رزاق بأنهم «متطرفون دينيا»، وكشف عن أن عددا من المتآمرين الـ16، وجميعهم من الضباط السابقين والحاليين، سيمثلون أمام محكمة عسكرية. وبالنسبة لدول تملك هذا التاريخ من الانقلابات السيئة، بعضها عنيف للغاية، كانت تلك نتيجة مشجعة، لكنها كانت تذكارا بمكامن الخطر في شبه القارة.

ولو ظلت باكستان، التي حصلت على استقلالها من بريطانيا عام 1947، دولة واحدة، لكانت رابع أكبر دولة في العالم، بعدد سكان يصل إلى 300 مليون شخص. بيد أن شطريها يفصلهما 1500 كيلومتر من الأراضي الهندية، ولا يربطهما الكثير سوى الأغلبية المسلمة لعدد السكان في كلتا الدولتين. لم تصمد باكستان (بنغلاديش وباكستان) هذه سوى 24 عاما وانفصلت وسط كثير من إراقة الدماء عام 1971.

منذ ذلك الحين، اتخذت الدولتان مسارين مختلفين؛ فليست لبنغلاديش عداءات رئيسية مع جارتها العملاقة، الهند، وتنفق القليل نسبيا على جيشها، أما الطرف الذي لا يزال يسمى باكستان فلديه مشكلات حدودية مع الهند وقوات مسلحة بالغة الخطورة وتاريخ من الانقلابات العسكرية، ومتشددون إسلاميون في المؤسسة العسكرية، هذا إلى جانب أسلحة نووية.

هناك أسباب للأمل في أن تكون هذه الأيام من الماضي في كلتا الدولتين؛ فقد تخلى الجيش عن السلطة العليا في البلاد قبل 20 عاما، والدولة تعيش حالة من الديمقراطية (لكنها مضطربة جدا). باكستان أيضا فيها حكومة ديمقراطية الآن؛ فقد ترك الجيش السلطة رسميا عام 2000، على الرغم من تدخل جنرال في الحكومة حتى عام 2008، لكن الجيش لا يزال يلقي بظلاله على الحكومة.

لكن تولي الجنرالات مقاليد السلطة في باكستان ليس ما يقلق الحكومات الأجنبية. إنه الخوف من المتشددين من ذوي الرتب المتوسطة في الجيش الذين قد يتمكنون من القيام بانقلاب والاستيلاء على الأسلحة النووية. وسيتشابهون في معتقداتهم مع الضباط الذين أُحبطت محاولة انقلابهم في بنغلاديش، لكن بنغلاديش لا تمتلك أسلحة نووية.

محاولة الانقلاب التي قام بها ضباط إسلاميون متشددون في بنغلاديش سيُنظر إليها بنوع من الأسف من قبل المتابعين الأجانب، لكن الاهتمام الأكبر بها سيكون على الصعيد المحلي. لكن انقلابا عسكريا في باكستان سيطلق الأهوال كلها.

وقد طلب مني استراتيجيون هنود ذات مرة، على صعيد غير رسمي، أن أتوقع ما يمكن أن يحدث بعد 6 ساعات من وصول الأنباء بقيام انقلاب إسلامي في باكستان إلى العالم. توقعت أن تشهد سماء كوتا والمنشآت النووية الباكستانية الرئيسية الأخرى «زحاما مروريا»؛ حيث ستحاول القوات الجوية الإسرائيلية والأميركية والإيرانية والهندية إبعاد الأسلحة النووية عن أيدي المتشددين عبر تدميرها.

إذن كيف يتوقع أن يحدث انقلاب إسلامي مسلح في باكستان؟ يمكن القول إن وقوع مثل هذا الأمر غير متوقع، بل غير وارد على الإطلاق، كما هو الحال في بنغلاديش؛ لأن الجيشين متشابهان من جهة ومختلفان عن بقية الجيوش في الدول الإسلامية من جهة أخرى.

ففي أغلبية الدول الإسلامية تحرص الجيوش على عدم تولي الضباط الإسلاميين مراتب عليا في الجيش؛ لذا ربما يكونون ملازمين، لكنهم لا يصلون إلى رتبة العقيد؛ وذلك لأن الجنرالات يعرفون أنهم لا يمكن الوثوق بهم. والجنرالات على الأغلب مسلمون ملتزمون، لكن عليهم حماية وحدة المؤسسة العسكرية التي يخدمونها، وهو ما يعني عدم وصول أي إسلامي إلى أي من مواقع السلطة الحقيقية.

الإسلاميون، وفق التعريف، لا يمكن أن يمنحوا ولاءهم الكامل للجيش أو الدولة؛ فهم يسعون إلى إقامة دولة الخلافة الإسلامية التي ستقضي حتى على الدول التي يفترض أنهم ينتمون إليها. وأن ولاءاتهم تكتيكية وعابرة بكل معنى الكلمة؛ لذا لم تسمح لهم الجيوش بالاقتراب من السلطة الحقيقية، عدا بنغلاديش وباكستان.

وكل التدخلات العسكرية السابقة في السياسة في باكستان قام بها الجيش كمؤسسة، وتصرف طاعة لقادته الشرعيين. وهذا النوع لن يغير السياسات الباكستانية بشكل جذري تجاه باقي العالم، لكن إذا كان على الضباط الإسلاميين ذوي الرتب المتوسطة أن يكسروا سلسلة القيادة ويستحوذون على السلطة كما ينوي رفاقهم البنغلاديشيون، فستكون كل الرهانات خاسرة.

* بالاتفاق مع صحيفة «حرييت ديلي نيوز» التركية