هل أخطأت الجامعة العربية؟!

TT

خيرا فعلت الجامعة العربية عندما تبنت عرضا روسيا بحل يمني في سوريا، يؤدي إلى تسليم صلاحيات الرئيس إلى نائبه، وتشكيل حكومة وحدة وطنية برئاسة سياسي من المعارضة، وإجراء مفاوضات بين السلطة ومعارضيها تتمحور حول مرحلة انتقالية تؤدي إلى نظام حريات تمثيلي - تعددي، تغطيه ضمانات داخلية وعربية وإقليمية ودولية هي الخطوة الأخيرة في حل نهائي، سيخرج البلاد من مأزقها.

ولم تحسن الجامعة صنعا عندما أقرت هذا المشروع من دون تشاور مع روسيا، التي اقترحته، وأخطأت كثيرا عندما أخذته إلى مجلس الأمن، الرمز الأميركي في أعين الروس، الذين استفزهم ما حدث وجعلهم يرون في فعلة الجامعة تصرفا غير ودي حيالهم، معاديا لهم وماسا بمصالحهم ومكانتهم الدولية، وضع تحت تصرف الأميركيين مشروعا أرادوا منه ضمانات تتصل بوجودهم ونفوذهم في بلد قريب منهم، من شأن إقراره في المجلس حرمانهم من موقعهم فيه، رغم أهميته وحيويته بالنسبة إليهم، علما بأن خسارتهم له أو تلاشي نفوذهم فيه يعني شيئا يقارب إخراجهم من آسيا، خاصة إن هم خسروا معركة إيران بعد خسارة معركة سوريا.

في ظل هذا الضرب تحت الحزام، كان من الطبيعي أن يتشدد الروس، بعد أن أظهروا مرونة مباغتة واقترحوا حلا لأزمة سوريا يقوم في جوهره على تخليهم عن الرئيس، الذي سيتنازل عن صلاحياته لنائبه، بينما سينخرط أهل النظام في مفاوضات مع المعارضة حول نظام بديل. ولقد كان من الحكمة تماما أن يذهب وفد من الجامعة إلى موسكو للاتفاق معها على حيثيات الحل الذي اقترحته، وعلى آليات تنفيذه والضمانات المطلوبة من نظام سوريا القادم، قبل أن يتم إقراره في الجامعة، وقبل الذهاب بعد إقراره إلى مجلس الأمن، ما دام الأميركيون لم يكونوا مشكلة أصلا، وإن صاروا اليوم مشكلة حقيقية بالنسبة إلى روسيا، بسبب إخراج مشروعها من يدها واحتمال استخدامه ضدها، مع ما سيؤدي إليه ذلك من ضياع مركزها السوري واعتماد موقف يقوم في حقيقته على وجود غالب هو الغرب والمعارضة السورية، ومغلوب هو روسيا والنظام السوري.

تقاوم روسيا اليوم الحل بكل ما أوتيت من قوة وتشدد، وستقاومه في المستقبل أيضا، إلا إذا وقع تصحيح الخطأ الذي اقترفته الجامعة العربية، عبر إرسال وفد عربي واسع يضم دولا عربية متنوعة إلى موسكو، تليه زيارة وفد موحد من المعارضة، على أن يقدم الوفدان ضمانات جدية وبعيدة المدى لروسيا، تتركز في جزء صغير منها حول علاقاتها المستقبلية مع سوريا، وفي قسمها الأكبر حول إحجام نظام دمشق القادم عن فعل أي شيء يمكن أن يقدم بديلا للغاز الروسي في أوروبا، حيث يعطي بيعه هناك كمصدر رئيسي للطاقة الأوروبية مكانة خاصة وتأثيرا كبيرا لروسيا، يستند إليهما جزء بالغ الأهمية والتأثير من دورها الدولي ومكانتها العالمية ومواردها الاقتصادية. لا يريد الروس أن تتحول سوريا إلى مصدر أو ممر طاقة بديلة تصل إلى أوروبا، وهم يريدون ضمانات خاصة حول هذه النقطة بالذات، وإلا ازدادت مقاومتهم للحل في سوريا، وعطلوه تماما، لأن خسارتهم هناك تعني تقليص مكانتهم في آسيا من جهة وفي سوق الطاقة الدولية من جهة أخرى، وفي هذا ما فيه من تقويض لقدراتهم الدولية وتقليص لموارد المافيا الروسية، خاصة الحاكمة منها.

بدورها، أخطأت المعارضة السورية، عندما أعلنت أنها لن تشارك في مفاوضات موسكو مع وفد حكومي غير رسمي. كان عليها أن تربط مشاركتها باستعداد روسيا لاستقبال وفد الجامعة ووفدها الخاص، وللتباحث معهما حول الأزمة بروحية تنتفي منها الأفكار المسبقة حول الحدث السوري، وتلتزم في الوقت نفسه بأساس الحل اليمني، القائم على طي صفحة الرئيس وعائلته، وفتح باب التفاوض الداخلي بين السلطة والمعارضة في شروط متوازنة، بهدف جلي ومحدد مسبقا هو الخروج من النظام القائم إلى بديله الديمقراطي عبر مرحلة انتقالية متوافق عليها. أما الرفض المتسرع لاقتراح روسيا، الذي لا غرض له غير رفع بعض الضغط الدولي عن موسكو، فهو خطوة لا جدوى منها، ما دام الموقف سيقول بربط موقف إيجابي تتخذه موسكو في مجلس الأمن بموقف إيجابي تتخذه المعارضة، ليس من التفاوض عموما، فهذا قراره متخذ، بل من التفاوض برعاية روسية.

في لقاءات وفود المعارضات السورية إلى جامعة الدول العربية، أوصى وفد المعارضين المستقلين الذي كنت منه بعدم تفويض مجلس الأمن بالقضية السورية على غرار ما حدث في المسألة الليبية، وطلب أن يمر أي دور دولي بالجامعة، التي يجب أن تتولى إدارة التفاوض بين السلطة والمعارضة، وأن تبقى علاقاتها متوازنة معهما، باعتبار أنه لا حل دونهما معا. واليوم، تأخذ الجامعة المشروع الروسي، الذي تبنته كحل عربي، وتضعه في مهب العواصف الدولية، تحت رحمة صراع أميركي - روسي دائر على أشده في المنطقة، حيث لم يبق للروس ما يصارعون عليه غير سوريا، التي يبدو أنهم اتفقوا مع نظامها على استخدام أقصى درجات العنف من أجل إخماد انتفاضة شعبها خلال فترة قصيرة لا تتعدى الشهر، في علامة إضافية على تشددهم ويأسهم من بلوغ تسوية مقبولة مع العرب والغرب والمعارضة و... إمارة قطر!

ما لم يتم رد الأمور إلى نصابها، وتصحيح هذه الأخطاء الفادحة، الذي يرجح ألا يتم، ستواصل سوريا طريقها إلى الكارثة الكبرى، ببربرية نظامها، وأخطاء معارضاتها، ومعالجات جامعة الدول العربية، والصراع الدولي الذي لا يبدو حسمه قريبا أو في متناول أي طرف من أطرافه. سوريا مهددة جدا، إلى درجة قد يكون من الصعب تصديقها، رغم تضحيات شعبها من أجل إنقاذها!