من يهدد «تغريداتنا»؟

TT

كل لحظة تمر نتثبت فيها من حاجتنا الماسة للتعبير..

التعبير بالمطلق عن رأي أو عن شعور، حاجتنا لإعلان موقف والدعوة إلى التظاهر، حاجتنا للدعم أو للبكاء أو الاحتجاج أو لمجرد التواصل، وربما حاجتنا للهو أحيانا، فواحدنا حين يصمت يموت، حتى لو كان الصوت افتراضيا.

هذا ما أكسبتنا إياه وسائل التواصل الحديث.

ما موقفي اليوم على «فيس بوك»؟ وكم «تغريدة» زقزقت على «تويتر»؟ وأي صور وفيديوهات أدرجت وأشركت غيري بها؟ وهل استطعت أن أكسب تأييد أصدقاء لا أعرفهم شخصيا؟ هل أثرت إعجابهم أم أنهم نفروا من صراحتي؟

إنها من المسلمات التي بتنا لا نتخيل عالمنا من دونها؛ لذا فإننا سريعا ما نتحفز للدفاع عن مكتسبات وفرتها لنا التقنيات، لكن يبدو أن المصالح، سواء المادية أو السياسية، قد تصادر بعضها منا، أو على الأقل تحاول ذلك.

وآخر ما يتعرض للتهديد هي تغريداتنا عبر «تويتر»..

فكل تغريدة ندرجها على هذا الموقع ترفق بخانات صغيرة تتعلق باسم المغرد والتوقيت والرد والبلد، وتلك تفاصيل نغفلها أحيانا على كثرة تكرارها. لكن الآن يبدو أن علينا أن نتنبه أكثر مع احتمال إضافة خانة «تم حجبه» بعد الخطوة التراجعية التي ينوي الموقع المذكور القيام بها.

فإعلان «تويتر» أنه بصدد القيام برقابة خاصة بكل دولة على التغريدات المنشورة على الموقع، وبالتالي حجب تغريدات لا تتوافق مع القوانين المحلية للبلد، أتى كصدمة لملايين المغردين والمهتمين. وهذا القرار وإن كان مخيبا لكنه ليس سابقة؛ فقد عمدت «Google» و«Ebay» و«Yahoo» و«Facebook» إلى اعتماد الأمر نفسه؛ فجميعها لديها أنظمة تسمح لها بإلغاء مضامين ومعلومات معينة في بلد محدد، بينما تبقى ظاهرة في باقي العالم.

هل الأمر يتعلق بدخول أسواق جديدة كالصين مثلا، التي تمنع موقع «تويتر» من العمل وتحجب الكثير من المواقع، أم أنه أبعد من ذلك، بحيث يطرح قضية عالمية وهي حرية التعبير وقدرة الأنظمة على التحايل واجتراح وسائل لقضم مساحات التعبير التي باتت أوسع وأذكى من محاولات ضبطها؟

الأرجح أنها مزيج المصالح والحاجة إلى السيطرة والضبط، وهي حاجة باتت مُلحة من قبل الأنظمة مع تعدد وسائط التعبير التي أسقطت في المنطقة العربية في سنة واحدة أربع ديكتاتوريات بينما اهتزت وتهتز أخرى آيلة إلى الزوال. وخطوة «تويتر» تأتي بعد عام تماما من ذكرى الثورة المصرية التي لجأ فيها النظام قبل سقوطه إلى تعطيل الإنترنت والشبكات الهاتفية الخلوية، اعتقادا أن ذلك سيقطع أواصر التواصل بين المتظاهرين والثائرين. حينها ابتكر شاب جامعي أميركي فكرة تبنتها «غوغل» سريعا وهي مد المتظاهرين في مصر بتقنية تتيح لهم إيصال رسائلهم إلى موقع «تويتر» عبر خطوط هواتف أرضية.

إذن ليس بالإمكان تحقيق ضبط كامل، لكن ليس من العقل الاطمئنان إلى تلك الفكرة فقط. فكلما احتفينا بالإعلام الحديث بصفته يدنا الطولى في الثورات طالعتنا أساليب احتيال جديدة.

ما يحسم الأمر هو، ببساطة، حاجتنا إلى التعبير، وحاجتنا لحيازة صفة المواطنة الكاملة التي تملك الحق في إبداء الرأي، وهذا ما يدفع كثيرون دما سخيا لتحقيقه.

diana@ asharqalawsat.com