رجل المهمة الصعبة

TT

للسعوديين في متابعاتهم لشؤون بلادهم أهواء وشجون وفنون، كما أن لهم خصوصياتهم. وعلى الرغم من أن الحديث عن بعض «الهيئات» هو الذي يستحوذ على الاهتمام وينال النصيب الأكبر من التواصل الإعلامي، كما يحصل حين الحديث عن هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر أو الهيئة العامة للاستثمار، على سبيل المثال، فإن هناك ترقبا متزايدا واهتماما كبيرا تلقاه أخبار الهيئة العامة لمكافحة الفساد، وهي الكيان الذي أطلقته الدولة مؤخرا لكشف وقائع الفساد بصوره المختلفة ومحاولة وضع حد لها، وذلك بالتحقيق فيها والتدقيق في الشكاوى المقدمة بشأنها ومتابعة حيثياتها لاحقا.

وبدأت الهيئة المعنية بإطلاق حملة دعائية عن توجهاتها وخططها عن طريق رسائل مركزة ترسل للمقيم والمواطن وموظف الدولة بعض النقاط التي قد تبدو بديهية، ولكن من المهم أن يتم التذكير بها، ولعل ما يشغل بال الناس بشكل عام هو قدرة هذا الجهاز المهم على تحقيق مطامح وطموح الناس لهذه المشكلة المعضلة التي تحولت إلى ما يشبه السرطان المدمر الذي ينهش في جسد الدولة ويهدد المشاريع الطموحة وخطط التنمية اللافتة، ولكن ما يبعث على الأمل والطمأنينة نوعا ما، هو وجود شخصية «نظيفة» وذات سمعة استثنائية على رأس هذا الجهاز، وهو محمد الشريف، وهو رجل عرف باستقامته وصرامته في العمل وبمواجهته الجادة لكل المغريات والمفسدات وبتطبيقه الحقيقي للمبادئ.

وأعرف شخصيا عنه قصة كان هو بطلها بشكل رئيسي، حينما كان مديرا للتفتيش في ديوان المراقبة العامة وقام بإعداد خطة محكمة جدا وأبقاها سرية لمباغتة مدارس المملكة في مناطق جغرافية مختلفة والكشف عن الفساد والتسيب والخلل في الوجبات الغذائية المقدمة لطلبة المدارس، وقدمت النتيجة بعد ذلك في تحقيق معمق ومدروس وعرضه الملك فهد وقتها وهو مفتخر وبسرور في مجلس الوزراء، وبدأ صيت الرجل يتكون، وسمعته تكبر، ولاحقه محمد أبا الخيل، وزير المالية وقتها، ليحوله إلى وزارته، وبعد إلحاح تمكن من الحصول عليه، وبقي محمد الشريف ثابتا ومثابرا وواثقا، لم يتغير أو يتبدل بثقافة المكان الجديد الذي انتقل إليه، ولم تغيره أساليب من حوله، ولذلك يأتي هذا الرجل الناجح صاحب السمعة المميزة إلى أهم منصب جديد ومستحدث، وطموح الكثيرين يحيط به.

والآن مع بدء الإعلان عن «حالات» و«قضايا» يتطرق إليها جهاز هيئة مكافحة الفساد ويتم التواصل معها عن طريق الإعلام، كما هو في حالات وزارتي الصحة والزراعة اللتين أعلن عنهما، سيرتفع سقف التوقعات أكثر انتظارا للثناء والمكاشفة والشفافية المطلوبة للنتائج النهائية حتى لا يكون هناك خيبة أمل وقنوط شديد بعد أن كان هناك الكثير من الأمل.

سيظل هناك من يشكك وينظر للنصف الخالي من الكوب، وسيظل هناك من ينكر أن هذا الجهاز قادر على إنجاز وتحقيق أي تقدم في مشكلة عويصة، ولكن محمد الشريف ليس بنبي أو شخصية أسطورية خارقة، هو رجل ناجح وشريف من أبناء المجتمع السعودي، محتاج إلى الدعم وإلى التشجيع لإنجاز مهمته التاريخية بنجاح حتى البناء على ما يحققه لاحقا للأجيال القادمة، التي من مصلحتها أن يكون انطلاق الهيئة الجديد سلسا ومنظما بأقل قدر ممكن من حملات الاحباط والتشكيك والإقلال من الهمة.

بدأت ملامح الهيئة تأخذ شكلا بعد الانتقال من مرحلة الإعداد والإنشاء والشكليات إلى الحراك الحقيقي المطلوب منها، ولكن الأهم أنهم سيدعون لرجل مهم ونادر يأمل السعوديون فيه الكثير ويتمنون له النجاح. محمد الشريف رجل مناسب لمهمة شبه مستحيلة.

[email protected]