ما طار طير وارتفع.. إلا كما طار وقع

TT

حين كان الثري الأميركي المعروف (أندرو كارنيغي) صبيا في السادسة من عمره، أخذته أمه معها إلى أحد متاجر الحلوى، وطلب الصبي من أمه قليلا من الفستق، فقال له صاحب المتجر: «خذ ما تشاء، هيا املأ يدك من الصندوق»، فرفض الصبي رفضا باتا رغم إلحاح الرجل وإلحاح أمه عليه، فلم يسع الرجل إلا أن يملأ يده من الفستق ويضعه في جيب الصبي، وبعدما خرج سألته أمه: «لماذا لم تأخذ بنفسك؟!»، فقال لها: «لأن يد البائع أكبر من يدي، لهذا سوف يكون الفستق أكثر». وذكاؤه الفطري هذا هو الذي أهّله فيما بعد لأن يصبح مليونيرا.

وهذه الحادثة قادتني إلى حادثة أخرى مشابهة تقريبا ولكنها أكثر تشويقا و(دراماتيكية). حيث إن تاجرا ورجل أعمال معروفا - لا أريد أن أسميه - فيقال - والله أعلم - إنه عندما كان طفلا في السادسة من عمره يلعب مع أطفال من جيله في الشارع، إذ مر عليهم الملك في سيارته، وما إن شاهدهم حتى أمر سائقه أن يتوقف، ونادى عليهم فتراكضوا نحو السيارة فأخذ يعطي كل واحد منهم ريالات من الفضة التي تستطيع يد كل صغير أن تحتويها، فلما أتى دور ذلك التاجر لم يمد يده الصغيرة للملك كباقي أقرانه، ولكنه أمسك بيديه طرف ثوبه ورفعه لكي يملأوه بالريالات.

تبسم الملك من ذكاء ذلك الطفل ووضع في ثوبه ريالات أكثر من الآخرين، ثم التفت إلى والد الطفل قائلا له: «إن ابنك هذا سوف يصبح تاجرا عندما يكبر، ولكن انتبه لأنه مع الأسف سوف يكون تاجرا طماعا».

ومرت الأعوام وكبر الطفل وأصبح بالفعل مليونيرا يشار إليه بالبنان من ضخامة الصفقات التجارية التي يحصل عليها.

ولكن في النهاية صدق (حدس) الملك، (فما طار طير وارتفع إلا كما طار وقع)، خصوصا إذا كان ذلك الطيران مشبوها، ويعتمد على أن (الغاية تبرر الوسيلة)، مهما كانت تلك الوسيلة. وغاص أخونا إلى أذنيه من شدة الطمع والتكالب على (وسخ الدنيا). واليوم غدا ذلك المليونير ملاحقا من البنوك، لا يستطيع الخروج من بلاده، لأنه لو خرج سوف يقبض (الإنتربول) عليه.

* * *

قالوا: أسوأ أشكال الظلم هو العدالة المفتعلة.

ونحن نقول: إذا كانت العدالة مفتعلة.. حق للظلم أن يتبختر.

* * *

قالوا: يستطيع أي شخص إمساك دفة المركب حين يكون البحر هادئا.

ونحن نقول: قطع الله اليد التي تفتخر حينما تمسك دفة المركب والبحر هادئ.. ولا تستطيع أو تحاول أن تمسك الدفة والبحر هائج.

* * *

قالوا: التغيير عمل شاق.

ونحن نقول: والثبات كذلك ليس عملا شاقا فحسب، ولكنه مستحيل.

* * *

قالوا: تستطيع أن تسحق شخصا تحت وطأة لسانك.

ونحن نقول: يجب أن لا يتورط البعض ويأخذ هذا القول مأخذ الجد، لأنه بدلا من أن يسحق شخصا بلسانه، قد يسحقه ذلك الشخص بقدمه قبل أن ينهي هو كلامه.

وخذوا الحكمة من أنصاف العقلاء، وأنصاف المجانين.

[email protected]