المراقبة بالكاميرات لتحسين أداء الأطباء!

TT

«الأيادي النظيفة هي التي تنقذ الحياة»، شعار بسيط تبنته منظمة الصحة العالمية والمنظمات الصحية التابعة للأمم المتحدة في وضعها للخامس عشر من أكتوبر (تشرين الأول) في كل عام كيوم عالمي لغسل اليدين، وذلك بدءا من عام 2008. ومما أثبتته كثير من الدراسات الطبية أن غسل اليدين عامل أساسي في الوقاية من انتشار الأمراض في المستشفيات وفي المجتمعات خارجها. وأبسط الأمثلة على ذلك أن غسل اليدين بالماء والصابون فقط، أي دون الحاجة لأي منظفات ومعقمات ميكروبية أخرى، يقلل بنسبة 50 في المائة من حالات الوفيات بسبب الإسهال وبنسبة 25 في المائة من حالات الوفيات الناجمة عن الالتهابات في الجهاز التنفسي. أي إننا نتحدث بالفعل عن أن التعود على غسل اليدين يؤدي إلى إنقاذ ملايين الأرواح سنويا في العالم. وكان البروفسور مارك نيكس، أستاذ علوم الصحة البيئية بجامعة كاليفورنيا - بيركلي، قد نشر في عام 2008 نتائج دراسة الملاحظة الميدانية، التي أظهرت أن الإنسان الطبيعي يلمس أحد أجزاء وجهه بيده بمعدل 16 مرة في الساعة عند اليقظة.

وغسل اليدين هذا، والذي يعلم جيدا الأطباء والممرضون مدى أهمية تأثيراته الصحية، كان محل دراسة الباحثين من جامعة نورث شور في ولاية نيويورك الأميركية. والشريحة التي شملتها الدراسة هم الأطباء والممرضون ومدى التزامهم بغسل أيديهم وهم في المستشفيات، وليس في بيوتهم. ووفق ما تم نشره في عدد 21 نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي من مجلة إكلينيكية الأمراض المعدية، قام الباحثون بوضع كاميرات فيديو للمراقبة داخل الغرف بقسم العناية المركزة في المستشفى، وأخبروا الأطباء والممرضين، وذكروهم مرارا، أنهم يراقبون مدى التزامهم بغسل أيديهم hand-washing compliance وهم في هذا القسم المهم من المستشفى. واستمرت المراقبة ما بين 2008 و2010. والنتيجة بالنسبة المئوية قد لا يفيد كثيرا ذكرها، ولكن ما قاله الدكتور بروس فابر، الباحث الرئيسي في الدراسة، يلخص لنا فحواها بقوله: «رغم أن غسل اليدين جزء حاسم في عملية ضبط انتقال العدوى، فإن معدلات الالتزام بذلك بين العاملين في المستشفيات أقل مما هو مطلوب». هذا بالرغم أيضا من اعتراف الدكتور فابر أنه في الدراسة لم يقيم مدى التزام الأطباء والممرضين بنوعية القيام بغسل اليدين وفق الطريقة الصحيحة والمنصوح بها لضمان تحقيق الفائدة.

وكانت دايانا غولد قد أجرت دراسات حول نفس الموضوع في سيتي يونيفرستي بلندن، وأفادت أن كثيرا من الدراسات أثبتت بالعموم تدني الالتزام بغسل اليدين بين العاملين في المستشفيات. وأضافت «على الأطباء والممرضين القيام بذلك، خاصة أن المرضى يتوقعون منهم ذلك بالفعل».

والواقع أن الجوانب المتعلقة بموضوع من يقيم الأداء المهني للطبيب، وما هي عناصر عملية التقييم، وكيف يكون التقييم، وما آلية مراجعة نتائج التقييم مع الطبيب، لا تزال حتى اليوم من المواضيع «الصعبة» في الأوساط الطبية. ومع اتفاق الجميع، الأطباء والمرضى وإدارات مرافق تقديم الرعاية الصحية، على أن تقديم الأطباء خدمتهم الطبية لمرضاهم في المستشفيات يجب أن يتم على درجة عالية من الدقة والصواب وفي ظروف عالية من الاهتمام بسلامة المريض وتقدير إنسانيته ومعاناته وآلامه، إلا أن هناك على المستوى العالمي تدنيا في نوعية وجودة التزام الأطباء بتقديم كل ذلك، وتدنيا أيضا في شعور المرضى بالرضا، بل ثمة قناعة واقعية لدى فئات واسعة من المرضى، وفي أماكن شتى من العالم، ووفق ما دلت عليه من كثير من الدراسات الطبية في هذا الشأن، فإن ثمة الكثير مما يمكن للأطباء أن يقدموه لهم بشكل أفضل وهو ما سيؤدي حتما إلى نتائج أفضل في معالجتهم ونيل رضاهم.

وصحيح أن المثل يقول «إرضاء الناس غاية لا تُدرك»، إلا أن الجميع في الأوساط الطبية، وأساسيات مبادئ المهنة الطبية، متفقة على أن مثل هذه العموميات في الأمثال لا تنطبق على العمل الطبي، وأن نيل رضا المريض هدف يجب أن يوضع ضمن أهداف تقديم الرعاية الطبية، وتحقيق هذا الهدف المشروع والمنطقي هو أمر ممكن وليس مستحيلا. وإحدى أهم الخطوات في طريق هذا الهدف هو عمل الأطباء على إتقان أدائهم المهني في تقديم الرعاية الطبية لمرضاهم.

والسؤال: كيف يتقن الأطباء أداء تقديم الرعاية الطبية لمرضاهم؟.

برامج التطوير المستمر للجودة وسلامة المرضى لا شك اليوم أنها هي الوسيلة الأمثل للعمل على تحقيق الإتقان المطلوب من الأطباء. وهذه البرامج كما أنها تعتمد على ما يمكن وصفه بالضمير والأخلاقيات المهنية الطبية والمبادئ الإنسانية المغروسة في نفوس الأطباء والتي تمت تنميتها في كليات الطب وبرامج التدريب في التخصص، إلا أنها تضيف إليها آليات أخرى أكثر وضوحا وأعمق تأثيرا دون الدخول في متاهات البحث والبحث المضاد عن السلبيات وتطبيق العقوبات وغيرها من الأساليب الرقابية التي لا تعيد زراعة وتنمية وتطوير الحرص الذاتي على الجودة في إتقان العمل وممارسته بإنسانية ومعرفة علمية وفي الحرص بالمقام الأول على سلامة المرضى ونجاح علاجهم.

استشاري باطنية وقلب

مركز الأمير سلطان للقلب في الرياض