ليضحكوا على أنفسهم إنها نووية

TT

بين فترة وأخرى يخرج علينا كبار المسؤولين الأميركيين بتصريحات متكررة أحيانا ومتضاربة في حالات كثيرة. فمنذ ثلاثة أعوام والعسكريون الأميركيون يتحدثون عن حاجة إيران لعام واحد لتصنيع قنبلة نووية. ولا يزال تخمين المدة كما هو بلا تغيير، وكأن الذاكرة البشرية فقدت وعيها. الشيء الجديد هو الإعلان عن تخمين امتلاك إيران مواد تكفي لإنتاج أربع قنابل نووية! وهو تقييم لا يثير الاستغراب. فالعقول الإيرانية تعمل منذ سبعة وثلاثين عاما في البرامج النووية، والقيادة الإيرانية تتمتع بقدرة احتواء الخصوم في المجال الأمني والنووي. وهو ما مكن النظام من إعادة بناء وتطوير أجهزة مخابرات الشاه، ليكون لها ذراع خارجي أكثر تأثيرا. كما أن العلماء النوويين في تزايد مستمر، واغتيال واحد هنا وآخر هناك عبث لا يجدي نفعا.

في أحد التصريحات الأميركية القديمة أشير إلى أن القيادة الإيرانية لم تتخذ قرارا بتصنيع سلاح نووي، على الرغم من مضي المؤسسات المعنية في بحوثها..، وكأن الأميركيين جالسون في مكتب المرشد وهو ما لا يوجد دليل ملموس عليه.

السؤال هو: ماذا استطاعت أميركا أن تفعل لوقف التوجهات النووية الكورية الشمالية في منطقة اهتمام قصوى لا تقل أهمية كثيرا عن منطقة الخليج؟ فلم يعد أحد يتحدث عن نسبة التخزين النووي في ترسانة كوريا النووية بعد تجاربها الناجحة. وعندما نقارن الوضعين الاستراتيجيين الإيراني والكوري نجد إيران أكثر قوة سياسيا واقتصاديا. فقد تمكنت من تحقيق الاكتفاء الذاتي الضروري في المواد الغذائية، والأسواق النفطية تصعب السيطرة عليها، ويحتفظ النظام بقدرة تعبئة جماهيرية كبيرة على الرغم من سعة المعارضة في المجالات السياسية والقومية والدينية، التي لم تحظ بدعم خارجي جدي.

إيران لن تموت جوعا بسبب العقوبات حتى لو سلمنا بأن تأثيرها يتزايد، فالفسحة الزمنية المطلوبة وجيزة إن لم تكن قد انتهت وأمكن تجاوزها. وتخفيض عملتها بنسبة 8 في المائة لا يعني الشيء المثير. فمستلزمات الحياة تنتج محليا، والإيرانيون يعيشون في وضع أفضل مرارا مما كانوا يعيشون في زمن حرب السنوات الثماني.

لقد حاول الأميركيون كبح الاندفاعات الإسرائيلية لمهاجمة المنشآت النووية الإيرانية، وأخيرا فإن وزير الدفاع لا يستبعد قيام إسرائيل بهذه العملية خلال الربيع. وهي هلوسة لا تستند إلى قدرات فعلية في تحقيق الهدف. فالإسرائيليون يمتلكون قدرة الردع النووي وطوروها على غواصاتهم لمجابهة أي هجوم مفاجئ على دولتهم المحكومة بمساحة معرضة لتدمير شامل في أي صراع نووي.

يمكن للطيران الإسرائيلي الوصول إلى أهدافه في إيران، وسيكون قادرا على تدمير هدف على شاكلة منشأة بوشهر، إلا أن افتراض معرفة أماكن كل المنشآت لا يخلو من المبالغة. كما أن نسب التدمير المتوقعة لن تكون كما تحقق في المفاعل العراقي عام 1981. فقد استفاد الإيرانيون من تجارب ثلاثة عقود كثيرا مقابل تطور تكنولوجي إسرائيلي محدود نسبيا. لذلك فالكلام عن خطط إسرائيلية لا يتعدى الهوس عن حبر على ورق، وإذا ما حدث فلن يحسم شيئا. مع القناعة بأن الرد الإيراني لن يكون فوضويا أو غوغائيا غير محسوب.

العام المحدد لتصنيع القنبلة النووية الإيرانية هو عام الانتخابات الأميركية، ومن السذاجة التفكير في حرب تشنها أميركا لمنع تجربة نووية إيرانية. ربما يستحضر الرئيس الأميركي كل ما يؤمن به للدعاء بأن تؤجل إيران التجربة إلى ما بعد فوزه في الانتخابات. وهو صك مفتوح لأنه كان وديعا طيلة سنوات حكمه، وارتكب أخطاء واضحة في سياساته الخارجية. أما الخطابات فقد شبع العالم منها منذ زمن عبد الناصر أبلغِ الرؤساء خطابةً.

وماذا بعد؟ لا شيء سوى أن نقول للمسؤولين الأميركيين اضحكوا على أنفسكم.. إنها نووية!