فيتو الجليد

TT

اشتهر الفيتو بأنه صناعة أميركية. فبعد 1967 انقلب كثير من الرأي العام العالمي ضد إسرائيل التي خرجت من ثوب الضحية إلى ثوب المعتدي. وإذ كانت إسرائيل تخسر التصويت في الجمعية العامة (البرلمان) خسارة مدوية، كانت أميركا تجنبها تبعات الخسارة في مجلس الأمن (الحكومة) باستخدام الفيتو، الذي هو حق للدول الخمس الكبرى.

تجنب الاتحاد السوفياتي استخدام الفيتو. أما الصين، فحتى في أيام ماو تسي تونغ، كانت تصوت في كل القضايا بورقة بيضاء ليس مكتوبا عليها شيء، إلا اسم صاحبها. كانت الأكثرية الدائمة في مجلس الأمن تعرف سلفا في الجلسات الطارئة حول المنطقة أن هناك ثلاثة مواقف لا تتغير: تأييد سوفياتي، وبياض صيني، وفيتو أميركي.

لكن المسألة كانت دائما، وبلا استثناءات، حول أفعال الاحتلال الإسرائيلي حيال الشعب الفلسطيني، أو حول اعتداءات إسرائيل على الأراضي العربية، محتلة أو شبيهة بالمحتلة. الآن خرج الروس والصينيون، ربما للمرة الأولى في تاريخهم لاستخدام الفيتو الذي نادرا ما استخدموه، منفردين أو مجتمعين.

لكنهم فعلوا ذلك حيال شكوى مقدمة من المعارضة السورية وجامعة الدول العربية. ليس في مسألة احتلال، بل في نزاع داخلي مأساوي بيّن. ليس لإنقاذ إسرائيل من أكثرية مجلس الأمن الساحقة، بل هذه المرة، رأت موسكو وبكين نفسيهما في مواجهة 13 دولة عضوا في المجلس، تمثل 98 في المائة من دول العالم، والنسبة الغالبة من شعوبه، على الرغم من المليار الصيني.

المرات الوحيدة التي التقيت فيها السفير بشار الجعفري كانت في المكتبات. لكن الشعر، حتى النزاري، لا مكان له في مجلس الأمن. والمقارنة بين استخدامات الفيتو الأميركي لإطلاق يد إسرائيل، والفيتو المزدوج لوقف المصالحة الأهلية في سوريا، ليست بذات صلة. إن الانتصار بالفيتو هزيمة. فالانتصار الوحيد في سوريا، أولا وأخيرا، هو وقف الدماء لا التشجيع عليها بقلب بوتيني جليدي خارج من مدرسة ألمانيا الشرقية وعصرها السحيق.

الفيتو ليس سلاح الحق، كما أشار السفير الجعفري إلى الفيتو الأميركي. إنه سلاح فاقد الحجة، وفاقد القدرة على تحقيق السماح والمصالحة والسلام. لا يطول الجليد في موسكو. ربيعها يأتي من كل مكان.