«فرانشايز» الإخوان المسلمين!

TT

قال لي أحد الأصدقاء ذات ليلة ونحن نشاهد نشرات الأخبار المتلاحقة: هل تعلم ما هو «الفرانشايز» الأكثر انتشارا في العالم العربي حاليا؟ فأجبته: أعتقد أنها سلسلة المطاعم الأميركية «ماكدونالدز» أو مجموعة المقاهي «ستاربكس» الأميركية هي الأخرى. ابتسم ساخرا وقال: لا، غلطان جدا يا عزيزي، الفرانشايز الأسرع انتشارا في العالم العربي هذه الأيام هو فرانشايز الإخوان المسلمين.

توسع صديقي في مقصده وأسقط ما يعنيه على التطور السياسي المتلاحق في أكثر من منطقة بالعالم العربي كتبعات للربيع العربي وما حدث معه، فتونس وليبيا ومصر والمغرب واليمن والأردن بصورة مختلفة، كلها بات مشهد توسع فرانشايز الإخوان المسلمين السياسي واضحا جدا فيها.

وعلى الرغم من اختلاف «حدة» الخطاب الإخواني في كل من البلاد المذكورة ووجود فروقات «فقهية» في الخطاب الاجتماعي والسياسي والاقتصادي مما أدى لأن يكون للفرانشايز خاصية الحالة المحلية لكل بلد Localization في الطرح والتطبيق، وهو ما ولّد فكرة وجود حمائم وصقور في الخطاب الإخواني، إلا أن وجود انشقاقات معروفة في مصر وسوريا واليمن والأردن والمغرب يؤكد أن الخطاب الإخواني كله ليس على ذات الدرجة من الثبات والاستقامة، وقد يكون ذلك مشكلة تطور المشهد وثبات الموقف فتحصل الفجوة الكبيرة في الخطاب بين الطرح والواقع، وهو ما يعكسه بقوة وبوضوح التفاوت في الطرح بين أجيال الشباب داخل حركة الإخوان المسلمين وبين الحرس القديم، ولكن التحدي الأكبر الذي يواجه فرانشايز الإخوان المسلمين هو النموذج التركي الناجح الذي بات هو النموذج الذي يحاول الكل السعي لتقليده وتطبيقه؛ فنجاح أردوغان وحزبه في مجال الاقتصاد وتربية أجيال قيادية لتخلفه وتوسيع شبكة العلاقات الدولية بامتياز، ونجاحات مهمة في مجالات داخلية وخارجية كلها خرجت من التطبيق الوسطي للفكر الإسلامي واحترام حقيقي لمبدأ العلمانية وحرية العبادة وحرية الفكر وحرية الاقتصاد والحرية الشخصية، وكل ذلك من مفاهيم مهمة ومحورية بامتياز، لأنها تمنح السوية الاجتماعية والعدالة لكل مواطن، فتتحول منظومة البلد إلى منظومة وطن يحق للكل أن ينتمي إليه بأمان وطمأنينة، وهذا الباب الواسع هو التحدي الكبير الذي سيواجه فرانشايز الإخوان المسلمين المتوسع، وأن يقدر على أن يطبق ذلك على أرض الواقع، لأن مطلب الناس هو العدالة ومكافحة الفساد وفرصة العيش الكريم بحرية وأمان واحترام وعدل. إنه مجال المعاملات وليس فقط مجال العبادات، والاعتقاد المستمر أن الناس لديها قصور في عقيدتها وفي إيمانها وفي صلاتها وفي صومها، فلا يمكن أن يكون ما كتب في مجال وأبواب الطهارة أضعافا مضاعفة من الحقوق والمطالب للمواطن في الفكر الإسلامي، ولكن هذا هو الواقع الذي يوضح ضحالة عمق الطرح السياسي الموجود باسم الدين الإسلامي، وهو أهم ما سيواجهه فرانشايز الإخوان المسلمين بعد أن تهدأ الاحتفالات الصاخبة المرحبة به والتي تزفه إلى البرلمان والمناصب والواجهة. حكم الناس على نجاح فرانشايز الإخوان المسلمين سيكون بقدرتهم على تحقيق وإنجاز الوعود بحياة أفضل ورقابة أفضل وتفعيل كامل للحقوق والأنظمة والقوانين وعدم الاكتفاء بالشكل الكاريكاتوري الهش في التشكيك في نقاء وصفاء العقائد وصلاح وسوية النفوس وحسن وصحة الإسلام للناس. من حسن إسلام المرء تركه ما لا يعنيه، صدق الرسول الكريم.

ختم صاحبي حديثه معي عن الفرانشايز وانتشاره بقوله: الزبون على حق وهو الترمومتر والمعيار الحقيقي مهما كان المنتج براقا ومليئا بالوعود، إنها حلاوة السوق، لا حلاوة البضاعة، فسألته: وضح بالعربي ماذا تقصد؟ قال لي: يعني الملعب والسوق هو الحكم، والزبون سيحسم مصير الفرانشايز نفسه!

[email protected]