هل يعود العالم إلى «معيار الذهب» في تحديد سعر الصرف؟

TT

هل يعود البريق لموضوع العودة إلى المعيار الذهبي كنظام للنقد العالمي في الانتخابات الأميركية الحالية مثلما طرح في عام 1980؟

لقد تصارع في الانتخابات الرئاسية عام 1980 مرشح ديمقراطي وهو جيمي كارتر أنهكه اقتصاد ضعيف ومخاوف من أن تفقد الولايات المتحدة قدرتها على المنافسة في العالم. في تلك الفترة، كانت أسعار الذهب بلغت مستويات غير مسبوقة. ومع قرب موعد إجراء الانتخابات لمح المرشح الجمهوري وقتها رونالد ريغان إلى أنه ربما يقترح العودة إلى معيار الذهب. وفاز رونالد ريغان، في الانتخابات وسرعان ما قام بتشكيل لجنة لدراسة دور الذهب في الأنظمة النقدية.

بالنسبة لمؤيدي معيار الذهب والمضاربين عليه، بدت هذه أفضل فرصة على مدار عقود لتحريك الدولة باتجاه الذهب بعيدا عما يحلو لهم أن يطلقوا عليه «النقد الإلزامي»، وهو نوع من النقد لا يدعمه أي شيء أكثر من مجرد أوامر من جانب الحكومة.

في الشهر الماضي، وعد نيوت غينغريتش، في إطار سعيه لتوسيع قاعدة دعمه في الأيام السابقة لانتخابات ساوث كارولينا الأولية، بأنه سيعين لجنة جديدة للذهب. وقال «جزء من منهجنا يجب أن يتمثل في إعادة إحياء شيء أنشأه رونالد ريغان في عام 1981، وهو تشكيل لجنة للذهب للنظر في المفهوم الشامل المتعلق بكيفية العودة مجددا إلى العملة الصعبة»، هذا ما قاله في كلمة ألقاها.

واستكمل قائلا: «إن من الأهمية بمكان بالنسبة لنا أن نفهم أنه في مجال التمويل، فإن الآلية المالية التي قد تم وضعها خلال الثلاثين أو الأربعين عاما الماضية تضم قدرا كبيرا جدا من الأوراق المالية، وكما هائلا من الديون، الذي ربما نحتاج معه لفترة تتراوح ما بين خمسة عشر إلى عشرين عاما للتخلص منه. غير أن البديل هو أن تتفاقم أزمتنا المالية بصورة أكبر».

ربما تكون «دعوة العودة إلى الذهب» قد مدت يد العون لغينغريتش في انتخابات ساوث كارولينا، حيث حقق انتصارا على ميت رومني، لكن هذا الانتصار لم يفده كثيرا في فلوريدا، حيث حقق المرتبة الثانية بفارق كبير في الانتخابات التمهيدية التي أجريت هذا الأسبوع. إن استراتيجية غينغريتش الآن هي تقديم نفسه باعتباره المحافظ الوحيد الذي لديه فرصة، ومن ثم إقناع أنصار ريك سانتوروم ورون بول بالتوحد خلفه. ويعتبر التأييد للعودة إلى معيار الذهب جزءا رئيسيا من استراتيجية بول. وتجدر الإشارة إلى أن غينغريتش لم يعد بدعم معيار الذهب، وإنما فقط بتشكيل لجنة.

وإذا كان غينغريتش جادا بشأن السير على نهج ريغان، ربما تكون أمامه فرصة محدودة للتحول إلى الذهب، حتى لو فاز بترشيح الحزب الجمهوري في انتخابات نوفمبر (تشرين الثاني). وخلال عهده لم يظهر ريغان أي نية لمعارضة الرأي الجمعي لمعظم الاقتصاديين، سواء أكانوا من أتباع نظرية مينيارد كينز الاقتصادية أم من مؤيدي النظرية النقدية.

لقد استنكر البرنامج السياسي للحزب الجمهوري في عام 1980 «إلغاء ارتباط الدولار بالسلع الحقيقية في الستينات والسبعينات من القرن الماضي»، الأمر الذي ألقى باللوم في حدوثه على التضخم. وأضاف: «إحدى أهم المهام في الفترة المقبلة ستتمثل في استعادة معيار نقدي يمكن الاعتماد عليه». ومثلما كتبت أنا شوارتز، الاقتصادية التي عملت مديرا لفريق لجنة الذهب لاحقا، فإن هذا الجزء من الممكن النظر إليه بوصفه «إشارة خفية لعودة محتملة إلى معيار الذهب». وبموجب معيار الذهب، يتم تقييم الدولار بعدد معين من الغرامات من الذهب، وستكون الحكومة مستعدة لشراء أو بيع الذهب لأي شخص بناء على تلك القيمة.

لقد بعث غينغريتش برسالة مفادها أن لجنته ستكون مختلفة. فقد قال إن الرؤساء المشاركين للجنة ستتألف من لويس ليرمان مؤلف كتاب صدر مؤخرا بعنوان «معيار الذهب الحقيقي» (The True Gold Standard)، وجيمس غرانت رئيس تحرير «إنترست ريت أوبزرفر». ربما تكون الاستنتاجات الأساسية للجنة «ليرمان - غرانت» التي كونت للنظر في وضع معيار للذهب معروفة بشكل مسبق. وقال غرانت في آخر عدد من دوريته الاقتصادية «نحن نؤيدها». كان ليرمان في حقيقة الأمر واحدا من معارضين اثنين لتقرير لجنة ريغان. وكان المعارض الآخر هو عضو الكونغرس عن ولاية تكساس، رون بول.

وبخلاف معظم النزاعات الأخرى في مجال الاقتصاد، عادة ما تبدو قضية الذهب مسألة مسلما بها. فبالنسبة للمؤيدين، كان الذهب بمثابة عملة لآلاف السنين، وتعتبر العودة إليه هي الطريقة الوحيدة لإبعاد الساسة عن العملات التي تهبط قيمتها بشكل مستمر. أما بالنسبة لمعظم الاقتصاديين الحاليين، فيعتبر الذهب سلعة تتأثر بالتقلبات المعتادة في العرض والطلب. وفي رأيهم، يجب التحكم في الاحتياطي النقدي وفقا لمعايير اقتصادية. ومن خلال وجود معيار للذهب، يمكن أن يزيد الكم المتاح من الذهب لدعم النقد فقط بنفس نسبة زيادة مخزون الذهب. وبالتالي فإنه أمر يعتمد على النجاحات في جهود التنقيب عن الذهب، لا على متطلبات أي اقتصاد.

وطلبت جامعة شيكاغو الشهر الماضي تشكيل لجنة من 40 اقتصاديا، بينهم مستشارون سابقون لرؤساء ديمقراطيين وجمهوريين، لدراسة تأثير العودة للمعيار الذهبي على «استقرار الأسعار والنتائج المتعلقة بالتوظيف وعما إذا كانت ستكون أفضل بالنسبة للمواطن الأميركي العادي»، في حالة ربط قيمة الدولار بالذهب. ولكن لم يوافق أي منهم على مناقشة الموضوع. وتساءل ريتشارد تيلر، أستاذ بجامعة شيكاغو «لماذا نربط العملة بالذهب؟»، وواصل قائلا: «لماذا لا نلجأ إلى نظام بوردو 1982؟». ورد أوستان غولسبي، أستاذ آخر بجامعة شيكاغو ومستشار سابق للرئيس أوباما قائلا: «ماذا أوصل الأمر إلى هذا الحد؟».

حتى إن بعض الاقتصاديين الذين كان يحدوهم بعض التعاطف مع الذهب عارضوا الفكرة، قالوا «معيار الذهب يضيف مصداقية عندما تفتقر أي دولة إلى نظام»، هكذا تحدث إدوارد لازيار من ستانفورد، الذي عمل رئيسا لمجلس المستشارين الاقتصاديين في عهد جورج بوش الابن. وأضاف: «الثمن هو مرونة في السياسة النقدية. المبادلة غير واضحة المعالم في الولايات المتحدة». لم يكن التباين في الآراء بشأن معيار الذهب أكثر وضوحا منه في جلسة عقدت في الكونغرس في يوليو (تموز)، حينما وجه بول سؤاله إلى بين بيرنانكي، رئيس مجلس الاحتياطي الفيدرالي، قائلا: «هل تعتقد أن الذهب عملة؟». ظهرت على وجه رئيس مجلس الاحتياطي الفيدرالي أمارات الدهشة من التساؤل وسكت لبضع ثوان قبل أن يجيب بالنفي. وهنا، سأل بول عن سبب امتلاك البنوك المركزية احتياطيا من الذهب وليس من الماس. فرد بيرنانكي قائلا: «إنه تقليد متعارف عليه».

ليس من قبيل المصادفة أن تعود قضية الذهب للظهور على السطح مجددا الآن، بعد أكثر من 30 عاما من آخر ظهور واضح لها في سياسات رئاسية. كان القضاء على التضخم من قبل مجلس الاحتياطي الفيدرالي في أوائل الثمانينات من القرن الماضي تحت إدارة بول فولكر هو الذي أدى إلى حدوث انهيار في سعر المعدن النفيس وفي الثقة على نطاق واسع في حكمة أصحاب البنوك المركزية.

لقد تأثرت تلك السمعة سلبا في الأعوام الأخيرة. ثمة شك محدود في أن مجلس الاحتياطي الفيدرالي، تحت قيادة آلان غرينسبان، قد ساهم في حدوث أزمة الإسكان من خلال مزيج من الائتمان الميسر وتخفيف الرقابة على البنوك. غير أنه بالنسبة لمعظم الاقتصاديين، فإن حقيقة أن البنوك المركزية يمكن أن تقع في أخطاء لا تثبت أنه يجب الاستعاضة عنها بنظام صارم معتمد على معيار ذهب، حيث يعتقد كثيرون أنه ساهم في حدوث الكساد العظيم.

«إن وضع معيار ذهب من شأنه أن يجنبنا الأخطاء السياسية في القرن الحادي والعشرين».. هذا ما خلص إليه دارون أسيموغلو من معهد ماساتشوستس للتكنولوجيا في رده على استبيان شيكاغو. غير أنه أضاف أن «الاجتهاد في السياسة النقدية يكون مفيدا في فترات الركود الاقتصادي». وفي جلسة عقدت في الكونغرس في يوليو، أشار بول إلى أن سعر الذهب قد تضاعف على مدار السنوات الثلاث الماضية. ووجه سؤاله إلى بيرنانكي قائلا: «عندما تستيقظ في الصباح، هل تفكر في سعر الذهب؟».

«إنني أولي اهتماما لسعر الذهب».. هكذا رد رئيس مجلس الاحتياطي الفيدرالي. وأضاف: «لكني أعتقد أنه يعكس العديد من الأمور، فهو يعكس الشكوك الدولية. أرى أن السبب الذي يجعل الناس يملكون الذهب هو التحوط ضد ما نطلق عليه مخاطر الانحراف المعياري - وهي تبعات غاية في السوء بحق - إلى درجة أن السنوات القليلة الماضية قد زادت من مخاوف الناس من احتمال حدوث أزمة كبرى، حينها اتجهوا لامتلاك الذهب كوسيلة حماية».

ولدى بيرنانكي رؤية.. فقد كان سعر الذهب في العقود الأخيرة بمثابة انعكاس لتذبذب المخاوف من «التبعات بالغة السوء». وعندما أصدرت لجنة الذهب في عهد ريغان تقريرها في مارس (آذار) 1982، كان الاقتصاد في حالة ركود حاد، غير أن تكلفة الذهب قلت إلى النصف تقريبا عن تكلفته وقت صياغة البرنامج الانتخابي للحزب الجمهوري لعام 1980.

* خدمة «نيويورك تايمز»