مسير الحي يتلاقى

TT

وقد يجمع الله الشتيتين بعدما / يظنان كل الظن ألا تلاقيا، تذكرت بيت الشعر هذا بعدما قرأت عن تلك الفتاة الإندونيسية التي عثر عليها على قيد الحياة بعدما كان يعتقد أنها توفيت بسبب أمواج المد العاتية (تسونامي) في المحيط الهندي عام 2004، والتي دمرت إقليم أتيشة، وعادت الفتاة إلى أسرتها والتأم الشمل، بحسب ما ذكره جدها.

وقد ذكرت (واتي) - وهذا هو اسمها - عندما وجدتها سيدة مطلقة وكان عمرها في ذلك الوقت ثماني سنوات، وقد أجبرتها تلك السيدة على التسول في الشوارع يوميا، وفقا لما ذكره الجد إبراهيم الذي أضاف: «اضطرت حفيدتي إلى أن تتسول حتى وقت متأخر ليلا.. وعندما لا تجلب أموالا كانت تتعرض للضرب»، وهربت وقبض عليها وعندما كانت في مكتب مسؤول القرية شك في معرفتها أحد الحاضرين، ونقلها إلى أهلها القاطنين في قرية بعيدة، وقالت والدتها وهي تحتضنها وتبكي: «عندما شاهدت الجرح القديم فوق حاجبها والشامة على خصرها، أصبحت متأكدة بالكامل من أنها هي ابنتي».

وهذه الحادثة تقودني إلى استعراض حادثة أخرى مشابهة حصلت قبل أكثر من ستة عقود، ولكن هذه المرة في السعودية، وذلك عندما كان رجل بدوي مسافرا مع طفله البالغ سبعة أعوام، وكان الطفل راكبا فوق ظهر الجمل والأب يقوده ماشيا، وإذا بعاصفة ترابية هائلة تجتاحهما، انطلق الجمل من جرائها بالطفل، ولم يستطع الأب اللحاق به، واستمرت العاصفة يوما وليلا كاملة، وعندما انقشعت لم يجد للجمل أثرا، أخذ يبحث ويسأل أياما وشهورا دون جدوى، فاحتسب لله وتيقن أن ابنه مات، ومرت الأعوام توفي أثناءها الأب والأم.

وفي يوم من الأيام كان هناك رجل مع زوجته وأولاده يسافرون من الرياض إلى الطائف، وأوقفوا سيارتهم في الدوادمي لتعبئتها (بالبنزين)، وبينما كان الشاب اليماني العامل بالمحطة يقوم بالخدمة، وما إن لمحته المرأة حتى صاحت قائلة لزوجها: إنه أخي، والله إنه أخي، حاول زوجها إسكاتها غير أنها رفضت أن تتحرك إلا بعدما تعرف الحقيقة، في الوقت الذي استغرب فيه ذلك الشاب كلامها واعتقد أنها مجنونة.

نزل الرجل من السيارة وسأل الشاب عن أهله، فقال له: إن والدي يسكن في تلك (الصندقة)، فذهب إليه يسأله، وعرف منه أنه قبل عشرين عاما عندما كان مسافرا عثر على طفل في السابعة من عمره تائها في الصحراء، وتبناه ورباه وهو الذي يعمل الآن في المحطة معه.

المهم، ولكي لا أطيل عليكم، سألوا البنت كيف عرفت من بعد تلك الأعوام أنه أخوك؟!، قالت: عندما كنت في التاسعة من عمري أذكر أن أبي وأمي تخاصما، فما كان من أبي إلا أن قذف أمي بوعاء من نحاس أخطأها واستقر فوق حاجب أخي وأحدث به جرحا غائرا، وأصبح علامة فارقة.

ولكي يتأكدوا أكثر قالت لهم امرأة عجوز إنني قد كويته بالنار تحت سرته ثلاث كيات عندما كان عمره أربعة أعوام، فإذا كانت ما زالت موجودة فمن المؤكد أنه هو.

وعندما كشف لهم عن بطنه وإذا بالثلاث كيات ما زالت في مكانها.

غير أن ذلك الشاب لم يتخل بعد ذلك عن والده الذي رباه، وظل يخدمه ويغدق عليه وعندما توفي بكاه بكاء لم يبكه على أحد.

وهكذا هي الدنيا: (نزول وارتحال).

[email protected]