هيئة حقوق إنسان منظمة التعاون الإسلامي خطوة على طريق شاق وطويل

TT

كنا ندرك جيدا أن الإعلان عن تأسيس الهيئة الدائمة والمستقلة لحقوق الإنسان التابعة لمنظمة التعاون الإسلامي، في اجتماع وزراء الخارجية الإسلامي، في العاصمة الكازاخية، أستانة، في العام الماضي - لا يعدو سوى الخطوة الأولى، في طريق طويل وشاق. ونحن اليوم إذ نقف على مقربة من انعقاد الجلسة الرسمية الأولى للهيئة في جاكرتا بإندونيسيا، في 20 فبراير (شباط) الحالي، نحاول وضع اللمسات النهائية لشارة البدء، متطلعين إلى الغد بثقة أكبر، وموقنين في قدرتنا على إثبات أنفسنا في عالم بات كما يقال دائما، (قرية صغيرة)، يدرك من عليها حقوقه الأساسية التي كفلتها له الشرائع والقوانين.

وكنت قد أكدت في كلمتي أمام الاجتماع التنسيقي للهيئة، في مقر الأمانة العامة لمنظمة التعاون الإسلامي بجدة، في 7 ديسمبر (كانون الأول) الماضي أن أحد أهم عوامل نجاح الهيئة، يكمن في مصداقيتها خاصة في باكورة عملها، وهو ما يشكل اختبارا حقيقيا وجادا لمنظومة العمل الإسلامي المشترك في أكثر جوانبه حساسية وأهمية، ويعكس في الوقت نفسه مدى جدية الهيئة، والتزامها بمبادئ برنامج العمل العشري الذي أقرته قمة مكة الاستثنائية في عام 2005، وروح ميثاق المنظمة الجديد.

وما من شك أن مضي الهيئة الدائمة والمستقلة لحقوق الإنسان في عملها، يعبّر بصدق عن منهج جديد تخيرته منظمة التعاون الإسلامي بطواعية الباحث عن الإنجاز، فلم تعد المنظمة بذلك مجرد واجهة جامدة لفكرة نيرة تراوح مكانها، أو حلم عصي على التطبيق، بل استطعنا وبمؤازرة الدول الأعضاء، أن نزرع الإيمان بإمكانية التغيير الحقيقي والجذري، ومواكبة العصر، والابتكار إن تطلب الأمر ذلك، مستلهمين من تاريخ الإسلام، وتعاليمه صورة زاخرة بالمعاني السامية، التي تدحض ما يتم ترويجه من صور نمطية، ومغالطات تنال من مضامين الإسلام، وأتباعه ضمن حملة (الإسلاموفوبيا)، التي باتت ترعاها جماعات وأحزاب يمينية كثيرة في الغرب.

إن الهيئة الدائمة والمستقلة لحقوق الإنسان، اختبار اخترنا طائعين أن نخوضه ليس افتخارا، وإنما عزما منا على بث وعي يُجِلّ ثقافة حقوق الإنسان، التي كانت - ولا تزال - جزاء من عقيدتنا، مع القيم النبيلة التي تميّز بها الإسلام، وفاق بها نضجا كدين أضاء نبراسا للبشرية جمعاء، ولم يحتكره عرق أو أرض.

ومع ذلك، تظل الهيئة الدائمة والمستقلة لحقوق الإنسان، مظلة جامعة، لا تحبس نفسها في قوقعة جامدة، فهي تؤكد قدرتها على اقتباس النموذج الأصلح، بالإضافة إلى التنوع الذي يحض عليه الدين الحنيف. كما تأتي انسجاما مع تجارب الجميع، لتكون معاصرة وعملية، ونابعة من ضمير أمتها بالصورة التي تجعلها إنسانية، وقادرة على تجاوز أخطاء الآخرين، من دون مقارنة توحي بمنافسة معهم، فهي هيئة وجدت لتكمل جهود وإسهامات المنظمات الدولية الأخرى في هذا المجال.ويبقى على الهيئة مسؤولية بناء القدرات، وتوفير الحلول للدول الأعضاء في مجال حقوق الإنسان، عوضا عن إصدار الأحكام، فنهجها معني بالتصويب، من خلال منهج تدريجي ومستديم، يتيح لها إمكانية التطور وفق مراحل تكفل تحويلها، مع الوقت، إلى هيئة فاعلة.

وإذا ما أخذنا بعين الاعتبار، عدم قدرة هذه الهيئة الفتية على تنفيذ كل ما عليها في وقت واحد، فإنها، في المقابل، مطالبة بضرورة تحديد أولوياتها، والتدرج بأدائها إلى الهدف الأسمى، الذي أنشئت من أجله.

وعلى أي حال، تتمثل التجليات الأكثر أهمية في الإنجاز النوعي والتاريخي للهيئة في كونها عينا على الداخل، وأداة فريدة للإصلاح الذاتي، وجهاز مناعة متجدد يعين الأمة على معالجة الخلل.

وبقي أن نقول، إن إنشاء الهيئة الدائمة والمستقلة لحقوق الإنسان، يأتي من وحي رؤية تأخذ في الحسبان، ضرورة التطور كحتمية زمنية، فضلا عن ترسيخها لهذه الرؤية الجديدة لمنظمة التعاون الإسلامي، وإنجازاتها العملية، ولتقطع بالتالي الطريق على تلك المفاهيم التقليدية التي تضع المنظمة في حيز ضيق من الفهم المتواتر، وتحول دون النظرة الأعمق والأوسع إزاء إمكانياتها الكبيرة التي يجب أن تستثمر بالحجم الذي يعكس قدرة 57 دولة عضوا، ومليار ونصف المليار مسلم، في تحقيق النماء والازدهار الذي تتطلع إليه الأمة الإسلامية.

* الأمين العام لمنظمة التعاون الإسلامي