«اللهو الحرام»

TT

الضحايا الذين سقطوا في أحداث بورسعيد في مصر ليسوا شهداء، بل هم قتلى ماتوا نتيجة «اللهو الحرام»..

مَن أتحفنا بهذا الرأي القاطع هو المتحدث باسم الدعوة السلفية في مصر عبد المنعم الشحات، في شريط مسجل جرى بثه عبر إعلام التيار السلفي، قبل أن ينتشر على نطاق واسع عبر مواقع إلكترونية. طبعا ما قاله الشحات ليس مفاجئا، فهو تزامن مع هجوم شنه نواب في مجلس الشعب المصري على الشبان الذين سقطوا في ملاعب الكرة في بورسعيد، متهمين إياهم بأنهم «بلطجية»..

إنها آراء تضحكنا وتبكينا في آن. لكنها بحسب مطلقيها ليست آراء، بل هي أحكام وفتاوى ينبغي علينا الانصياع لها، ومن يعتقد بذلك كثر..

أجريت بحثا سريعا عن أحدث الفتاوى فوجدت سيلا منها. في اليمن فتاوى تكفير وردت بحق صحافيين ونشطاء، وفي السودان فتاوى تحرم الرياضة النسائية، وسيل لا ينضب من تحريم للتظاهر أو الاعتصام..

إنهم مطلقو الفتاوى نفسها الذين سبق أن ملأوا فضاءاتنا بأحكام تجافي العقل والمنطق..

أما اليوم، وقد أسهمت الثورات العربية في خروج الأنظمة القمعية الفاسدة من الشباك ودخول الإسلاميين من الباب الواسع، فلا مناص على ما يبدو من التعامل بجدية أكبر تجاه ما يقوله هؤلاء، خصوصا ما يصدر عنهم من مواقف سياسية واجتماعية غير عقلانية لكنها تدرج تحت مظلة الدين فتمنحها هالة تقطع علينا سبيل النقاش والاحتجاج. ففتاوى هذا الزمن صار لها قوة تنفيذية، وهي قوة لم تكن متوافرة لها من قبل..

الفتوى قبل عهد الثورات كانت رأيا ووجهة نظر يجري تداولها عبر الإعلام، وغالبا ما كانت تنتقد وتتعرض لسخرية. أما اليوم فقد باتت الفتاوى سريعة مثل تغريدات «تويتر» لكنها تحتمي بعباءة السلطة، وهذا ما يجعل من خطر تعميمها قاتلا ويحمل سطوة أكبر.

وليس الحكم بسجن الممثل المصري الشهير عادل إمام بتهمة «ازدراء الأديان» بخارج عن هذه المنظومة. صحيح أن قضايا مشابهة صدرت في الماضي من نوع تفريق الكاتب نصر حامد أبو زيد عن زوجته، لكن اليوم تصدر تلك الأحكام والفتاوى عن سلطات، الإسلاميون هم مكونها الأساسي..

يطرح هذا التحدي مهمة رقابية جديدة علينا كرأي عام وكإعلام، فاحتمال اندراج الأنظمة السياسية في سياق من الفتاوى المتناسلة أصبح اليوم ممكنا في ظل وصول سلفيين إلى المجالس النيابية وفي ظل المواقف التي تطلق يمنة ويسرة... فالرأي السياسي بات اليوم أكثر اختلاطا بالموقف الديني، وهذا سيؤثر بنسبة أكبر على حياة الناس وعلى موتهم أيضا. فإذا كانت الفتوى صادرة عن موقع سلطوي كما هو حاصل اليوم بات تأثيره السلبي والتخريبي أكبر..

إنها مهمة ينبغي التصدي لها.

يبدأ ذلك مِن مجابهة مَن يعتبر كرة القدم «لهوا حراما» وأن من مات في ملاعب الكرة يستحق ذلك..

diana@ asharqalawsat.com