حزين على مصر

TT

لست أدري حين يصل هذا المقال - الذي أكتبه في بداية الأسبوع - إلى قارئه في نهاية الأسبوع كيف ستكون الأحوال في مصر؛ هل ما زالت على حالها من السوء والتوتر والاحتقان، أم أنها ستكون قد تحسنت نوعا ما، أم على العكس من ذلك ستكون قد ازدادت سوءا؟

منذ وقت طويل يقترب من العام، تحديدا في شهر مارس (آذار) من العام الماضي، قلت إن الثورة المصرية تقوم في مواجهتها ثورة مضادة تريد أن تجهضها وتقضي عليها وتعيد مصر إلى الطغمة الآثمة التي كانت تجثم على صدرها وتحتكر ثرواتها وتستبد بشبعها. وهذه الثورة المضادة هي أمر طبيعي كرد فعل لكل الثورات التي شهدتها شعوب الأرض. ويتأكد ذلك عندما تكون الثورة تلقائية سلمية كما كانت ثورة شعب مصر العظيم وشبابه النبيل من كل الأطياف والأديان والأعمار؛ كانوا جميعا يتوافدون على ميدان التحرير في حماس عارم وعفوية طاهرة لا يبتغون جاها ولا سلطانا وإنما كل ما يعنيه أن تعود لمصر الحياة الحرة الكريمة، وأن يسترد شعب مصر إرادته، وأن يزيح أباطرة الطغيان، وقد استطاعت تلك الثورة النبيلة أن تحقق الخطوة الأولى من أهدافها بأن اقتلعت رأس النظام السابق وخلعته وأطاحت ببعض رموز حكمه. ولكن الثورة النبيلة كانت بغير قيادة وبغير آليات، ومن هنا لم تفعل ما كان يجب أن تفعله برؤوس النظام السابق وبالنظام نفسه من جذوره.

كان يتعين على الثورة وهي تتمتع بحيويتها وزخمها والتأييد الكاسح لها من جماهير الشعب المصري كله أن تعقد محاكمات ثورية سريعة لهذه الطغمة الباغية، التي أذلت مصر وأهانتها على مدار أكثر من ثلاثين عاما، وأن تلقى بها إلى الجحيم الذي تستحقه ولا تستحق غيره، وكان يبرر لها ذلك شرعية الثورة التي قامت في كل ربوع مصر. إن الشرعية الثورية حقيقة عرفتها كل ثورات العالم القديمة والحديثة. ولكن ثورتنا النبيلة لم تفعل ذلك للأسف الشديد، وخطفت منها الراية قوى الثورة المضادة التي تنتمي فكريا وجذريا وعضويا إلى النظام القديم الذي أذل مصر وأهان شعبها وأضاع قيمتها ووزنها في إقليمها وفي عالمها.

والآن، وقد مضى عام على الثورة التي قام بها شعب مصر العظيم وفي مقدمته أنبل شبابه، كيف نرى الصورة الآن في الأيام العشرة الأولى من شهر فبراير (شباط) 2012؟ لقد كانت الأيام العشرة الأولى من فبراير الماضي هي أروع أيام مصر في تاريخها الحديث، فما الذي حدث بعد عام طويل؟

الصورة الآن كئيبة.. حزينة.. موجعة.

أمر مصر لم يعد في يد شباب ثورتها النبيلة، وطغى على وجه مصر عناصر الثورة المضادة بكل سوئها وحقارتها وحقدها ورغبتها في تدمير مصر وإعادة شعبها إلى أيام الذل والهوان.

هل يعقل أن الذي حدث في ملعب لكرة القدم في مدينة بورسعيد التي دخلت التاريخ ببسالتها وعظمتها وإصرارها على رد العدوان في خمسينات القرن الماضي هي مدينة بورسعيد نفسها التي حدث في ملعبها ما حدث في الأسبوع الماضي من مجزرة مريعة فاق عدد الذين قتلوا فيها عدد الذين استشهدوا في أول معركة للعبور عام 1973.

لقد اتضحت خيوط المؤامرة وأبعادها من القوى المضادة في الداخل وحلفائها في الخارج الذين قالوا صراحة إن ذهاب النظام القديم في مصر كان بمثابة خسارة فادحة لهم. لقد خسروا كما قالوا كنزا استراتيجيا وهم الآن بالتحالف مع الثورة المضادة في «نادي طرة» وأشياعهم وأعوانهم يريدون أن يعيدوا مصر إلى القفص من جديد.. هل يفلحون؟

ذلك مستحيل. لإن شعب مصر قد كسر حاجز الخوف ولن يخضع بعد الآن. وعلى القوى الوطنية كلها، مهما اختلفت تياراتها الفكرية، أن تتلاقى على كلمة سواء من أجل إنقاذ هذا البلد.

ودائما أقول إن حزب الأغلبية يتحمل في هذا الأمر مسؤولية خاصة تلقيها عليه أغلبيته. كذلك كل القوى السياسية والأحزاب الوطنية من كل الاتجاهات، وفي مقدمة ذلك كله الجمعية الوطنية للتغيير التي كانت دائما ضمير هذه الأمة.. على كل هذه القوى أن تتلاقى وأن تتكاتف وأن تصمم على إنقاذ مصر وعلى دحر الثورة المضادة وعلى إعادة مصر.

سينتصر شعب مصر وسيكمل ثورته وسيلقي بهذه الطغمة الشريرة إلى حيث يستحقون. وفي هذه المرة لن تأخذنا بهم رحمة، ستعيد الثورة شرعيتها وتعمل هذه الشرعية لكي تطيح برؤوس الفتنة جميعا. إن مصر تستحق منا أن نقف جميعا صفا واحدا من أجل إنقاذها.