الشعب السوري يستغيث

TT

الحديث أن نظام بشار الأسد طائفي ويرجح كفة طائفته العلوية على غيره لم يعد مجالا للبحث، والحديث عن كون نظام بشار الأسد عروبيا ومقاوما هو أكذوبة وفضحتها حقائق الأيام والأحداث، ولذلك بات من العبث الحديث عن شرعية وجدارة هذا النظام أو إمكانية تصديق وعوده والالتزام بطروحات الإصلاح التي كررها وأعادها أياما طويلة بلا مغزى ولا معنى ولا فائدة.

الآن المشهد السوري لم يعد للإصلاح ولا السياسة مكان فيه، إننا نتعامل مع كارثة إنسانية مثلها مثل الزلازل والبراكين والفيضانات، ولكنها كارثة تسبب فيها نظام «دموي» أدمن على قتل شعبه وشعب غيره. الذاكرة لا تزال حية بما حدث في «حماه»، التي مر منذ أيام ثلاثون عاما على ذكراها الأليمة، وللفلسطينيين واللبنانيين ذكريات أليمة وحزينة ودامية مع رموز هذا النظام وحاشيته الذين عاثوا قتلا ودمارا فيهم.

وها هو الابن بشار الأسد يواصل نفس النهج الدموي في شعبه ويوسع دائرة القتل لتشمل أعدادا كبيرة من القرى والمدن، ولكن ستبقى مدينة حمص أيقونة هذه الثورة المباركة التي سترفع على ضفاف نهرها العاصي راية علم سوريا الجديد الخالي من البعث، علم الاستقلال الحر، تلك الحقبة الكريمة من التاريخ السوري المجيد قبل أن يلوثها قتلة الشعب.

مشاهد الأيام الأخيرة لا يمكن التعامل معها إلا كمأساة بشرية بامتياز، مأساة أشبه بـ«الهولوكوست»، محرقة اليهود الشهيرة، إبادة رواندا في أفريقيا، ومجازر دارفور، أو فظاعة الخمير الحمر في كمبوديا.. هذا هو الوضع في سوريا، حرب مجموعة ضيقة في الحكم تبيد شعبها بالطائرات والدبابات والقنابل والصواريخ وكأنها حرب مفتوحة تحاصر فيها السكان وتمنع عنهم الطعام والأدوية وتقطع عنهم الكهرباء ووسائل الاتصال وتسمم مياه الشرب وتحرمهم من غاز التدفئة.

إنها مشاهد وحشية بامتياز، مشاهد تخالف كل تعاليم الأديان والمواثيق والأنظمة والقوانين والحقوق الإنسانية، وبالتالي بات من الضروري والمهم التعامل معها على أنها مشكلة إنسانية، والتدخل الفوري لإنقاذ الشعب السوري من مصير أسود ودموي.

السوريون انتفضوا وبلا عودة، لقد قرروا التحرر والحصول على مبتغاهم الأعظم وهو الحرية والكرامة التي حرموا منها أكثر من أربعين عاما. أيقنوا أن الشعار الكئيب الذي كان النظام القمعي ينادي به، وهو: «إلى الأبد يا أسد»، كان شعارا شعبيا ولكنه في واقع الأمر كان هدفا ونهجا سياسيا يطبق بشكل مستمر وبالتدريج حتى يصبح واقعا متكاملا ومقبولا، جيلا وراء جيل، وهو ما حصل عندما ورّث حافظ الأسد الحكم بشكل «كاريكاتيري» إلى ابنه في مشهد هو أقرب للكوميديا منه إلى علوم السياسة المحترمة.

أشلاء الجثث من الأطفال والنسوة والشيوخ والرجال في حمص والزبداني ودرعا وتلكلخ تملأ هذه المدن والجرحى بالعشرات، مشاهد لا يمكن أن توصف إلا بالجريمة، ومن وراءها إلا بالمجرمين.

العالم الإسلامي كان «يهب» غضبة لرسوم حقيرة بحق نبيّه، ولقاء ما يحدث من قوى الإجرام المحتلة في إسرائيل بحق الفلسطينيين، وانتفض العالم العربي بحق محمد الدرة حين قتل بدم بارد من الجيش الإسرائيلي، واليوم هناك العشرات من نماذج محمد الدرة يقتلون يوميا ولا حراك ولا ردة فعل كافية. الضغوط الشعبية مطلوبة على المجتمع العربي والإسلامي والدولي لنجدة الشعب السوري الذي أباح النظام دمه وأطلق العنان للقضاء عليه كما يبدو بضوء أخضر واضح حصل عليه من روسيا وبدعم من العراق ومن إيران، ولكن كل ذلك سيسرع في إسقاط أي نوع من الدعم والتأييد والشرعية لنظام أجرم في حق شعبه وفقد آدميته وأخلاقه وشرعيته.

الشعب السوري يناديكم فلا تخذلوه. النظام السوري هو أشبه بمس شيطاني أصاب الشعب السوري ولا بد من إخراج المس من الجسد الطاهر.

[email protected]