سفر الرئيس علي عبد الله صالح إلى الخارج، خبر مزعج. فإذا كان مسافرا حقا للعلاج، فهذا يعني أنه خلال 30 عاما لم يؤسس مستشفى قادرا على معالجة الرئيس، فكيف بالمواطنين؟ وإذا كان مسافرا لأسباب أخرى، فإنه أخفق في أن ينشىء لنفسه موقعا آمنا في بلده بعد ثلاثة عقود.
وإذا كان للسببين معا، فذلك يعني أن القاعدة لم تتغير: لا رؤساء سابقين في العالم العربي إلا في معسكرات العالم العربي الآخر. الرئيس العربي يجب أن يبقى مدى الحياة، وما بعد الحياة أيضا. كل البشر تعد لتقاعدها، إلا الرؤساء العرب، فلا يعدون سوى أضرحتهم. ومن أسعده الحظ، فالمنفى مثل بن علي، أو العلاج مثل صالح، أو السجن بالنظارات السوداء مثل مبارك. أما القذافي، فاعتقد أن الازل خادم عند عديله السنوسي أو عند ابن عمه أحمد قذاف الدم، الذي اشتهر في لندن وفي «كان» بعصا غليظة كثيرة العقد، مثل بعض الطباع.
كان لبنان، على ركاكة عوده وهزال عصاه ومضحكة دستوره ونايلونية ديمقراطيته، هو البلد الوحيد الذي فيه رؤساء سابقون على الدوام.. يؤدي عهده ويذهب. وإذا كان «ضرورة استراتيجية» مثل الجنرال إميل لحود، يضاف إلى السنوات الست ثلاث أخرى، يقارب البلد فيها الزوال ويبقى هو في الصمود ضد المؤامرات الإمبريالية.
كم هو جميل وكم هو بسيط أن يشعر المواطن أن له الحق برئيس سابق ورئيس حالي معا. ولا مخلدون إلا صاحب الخلد. وجميع من عداه خلق لا خالق، ورماد لا بقاء. أشعر باعتزاز عندما أزور رئيسا سابقا لأن ذلك دلالة على بقائية النظام وفوائد الدستور. عندما جدد للشيخ بشارة الخوري، خربت البلاد، وعندما حاول الرئيس كميل شيمعون أن يجدد، قامت الثورة، وعندما جدد للرئيس إميل لحود صار لون البلد في الحداد. وحده التجديد للرئيس إلياس الهراوي مر سعيدا، لأنه كان توافقيا، لا تحدي فيه لأحد، ولا اضطراب أمنيا في زمنه ولا دماء.
كان الرئيس إميل لحود يقول لي باستمرار: «في عهدي لن تسقط نقطة دم». ولا شك في صدقه وعزمه. لكن الذين أسقطوا الدماء في عهده جعلوه يتحول إلى رئيس لا عمل له سوى تقديم العزاء. أعتقد أن الدول العربية سوف تبنى بعد اليوم على أساس أن يكون للرئيس مكان بعد نهاية ولايته، وليس أن يكون له مقام يلغي كل الأمكنة ثم لا تكون له غرفة يتقاعد فيها وحديقة يزرع ورودها، وكتاب تاريخ يتمتع بقراءة دروسه. كم مؤسف أن لا يعمل المواطن الأول على أن يستحق التشريف، حتى نهاية العمر.