سوف أحكي لكم بعد مائة سنة

TT

لا أكذب عليكم.. إنني من المتابعين بل ومن المدمنين على مشاهدة المسابقات الرياضية بكل أنواعها الرجالية منها والنسائية، خصوصا مباريات كرة القدم الأوروبية، لهذا أنتظر بشغف دورة الألعاب الأولمبية التي سوف تجري في لندن في صيف هذا العام، وأدعو الله بحرارة ألا يميتني قبل أن أحضرها، وبعد ذلك فليسترد أمانته، عندها سوف أودع الدنيا الحلوة وأنا مرتاح البال، وفي عيني (حصّوة).

ولي الآن أكثر من ثلاثة أيام وأنا أقرأ كتاب عنوانه: (أميركا في مرآة عربية)، وهو تصوير موثق للحياة الأميركية في أدب الرحلات العربية، الذي بدأه أول ما بدأ (إلياس الموصلي) في عام (1668).

وقد يقول قائل (ومعاه الحق): ما دخل شغفك بمتابعة المسابقات الرياضية، برحلات الأوائل من العرب؟!، ولكن لو أن ذلك المتسائل انتظر علي قليلا ولم (يطير بالعجّة) لقلت له:

إنني في فصل من فصول ذلك الكتاب وصلت إلى رحلة (فليب حتي) التي قام بها سنة (1924)، وجاء فيها:

كنت ذات يوم من أيام أول صيف دخلتُ فيه العالم الجديد مارا في سوق من أسواق مدينة (فيلادلفيا) حيث تزدحم الأقدام والحركة على أشدها، وإذا بثلة من البشر ساكنة ساكتة هادئة كأن على رؤوسها الطير، عيونها شاخصة لنقطة واحدة على الحائط. ذهلت فوقفت. نظرتُ إلى حيث اتجهت الأبصار وإذا المكان مكتب لجريدة وعلى حائطه لوح كبير يدوّن عليه وصف لعبة الكرة (baseball) التي كان يلعبها فرقتان وطنيتان في مدينة (شيكاغو) وكانت مجريات اللعبة تأتي للجريدة على أسلاكها البرقية فتنشرها الجريدة بالتدقيق على اللوح بحيث يشعر المار في أسواق فيلادلفيا كأنه يشهد اللعبة في شيكاغو. حالما يضرب مثلا (جاك) الكرة ينقل البرق خبرَه، فإذا أصاب المرمى يعقب على ذلك بقوله أصاب، فتهتز جنبات الشارع بالتصفيق والهتاف والصياح، وكأن القوم قد أصابهم الجنون، وكذلك إن أخطأ (جو) فيطير البرق بنبئه، فتشتعل الحماسة بمشجعي الفريق الآخر، فوقفت أنظر وأتأمل لهؤلاء المهابيل المتسمّرة أنظارهم على جريدة الحائط، مستغربا في الوقت نفسه على هذا التطور العلمي المذهل الذي استطاع أن يعطي في نفس الوقت مجريات مباراة تدور في شيكاغو إلى متابعين في فيلادلفيا وهي تبعد عنها أكثر من ألف ميل، إن هذا والله لعجب!!

والحق لا شك مع العم (حتي) أنه تعجب مما كان يحصل في ذلك الزمن، ولكن كيف سوف يكون عجبه لو أن الله أطال بعمره وشاهد مشعل (المهفوف) وهو جالس نصف جلسة في بلدة (الغاط) ويأكل الساندويتش مع قدح من (السفن آب)، ويشاهد بالصوت والصورة والألوان الطبيعية الرائعة المباراة التي تجري بين (برشلونة) الإسباني و(سانتوس) البرازيلي؟!

أكيد أن العم (متى) لو شاهد ذلك سوف يضرب كفا بكف.

إنني لحقت على تتبع المباريات التي كان وصفها ينقل بالراديو، ثم تابعتها وهي تنقل بالتلفزيون الأبيض والأسود وهأنذا أتابعها الآن بالألوان، ولا أدري ماذا سوف أشاهده بعد عمر طويل لي؟! - أي بعد مائة سنة من الآن على الأقل.

عندها سوف أحكي لكم عن ذلك، هذا إذا بقي أحد منكم على قيد الحياة.

[email protected]