وجه الحق ووجه الباطل

TT

مع كتابة هذه السطور تستمر عناوين الأخبار عن سوريا وهي تعلن الأعداد المفزعة للقتلى والجرحى بكل مدنها على أيدي الجيش السوري وقواه المسعورة وهي تبيد الشعب بلا رحمة ولا هوادة. أنهار من الدماء تراق وأرتال من البشر تباد، ولكن كل ذلك يبدو أنه ثمن مطلوب للحق والحرية والكرامة والعدالة، ولكنه كذلك فضح تام وتعرية لنظام احترف الخداع والكذب ودأب عليه وشرب «مقلب» الفيتو الروسي والصيني في مجلس الأمن بالأمم المتحدة، وأعتقد أن ذلك رخصة تصفية كاملة له للثورة وكل الثوار، إلا أن الواقع أظهر أن استبداد النظام وبطشه وطغيانه وحد الثوار في سوريا وأضاف لهم أعدادا جديدة من مناطق كانت خامدة ومترددة، وكذلك الأمر بالنسبة لدول كثيرة حول العالم كانت تأخذ مواقف متعاطفة مع النظام لأنها كانت مقتنعة بما يروج لها عبر القنوات الرسمية له، ولعل أبرز المواقف المتغيرة هذه جاءت من دولة بأهمية وثقل الهند التي غيرت موقفها تماما واقتنعت بأن النظام قاتل لشعبه ولا يريد الإصلاح أبدا بأي شكل من الأشكال.

السويعات القليلة القادمة ستعلن عن تغير حقيقي ومهم جدا في الدعم العربي للثورة السورية العظيمة، فبعد أن قامت بعض الدول العربية بطرد سفراء النظام الأسدي وسحب سفرائها، فإن هذه الدول في ازدياد، ومن المفروض أن تأتي الأيام القادمة بأخبار تفيد بأن هذه الدول ستعترف بـ«المجلس الوطني السوري» كممثل شرعي ووحيد للشعب السوري وتسلمه مقار السفارات في بلادها، وستتواصل هذه الدول مع «الجيش السوري الحر» كعنصر حماية ودفاع شرعي وشريف في وجه النظام السوري الذي يقتل شعبه، وكذلك الأمر سيتم توجيه خطاب باسم بعض هذه الدول، إلى كل من الصين وروسيا في احتجاج وتنديد بـ«الفيتو» الذي تم اتخاذه وتوضيح حجم الأضرار التي تكبدتها الدولتان على الساحة الشعبية والسياسية في العالم العربي وخطورة ذلك على العلاقات المستقبلية لهما.

خيوط الثورة وأعلامها وتاريخها يكتب بدماء من سقط لأجلها، ولكنه سيكتب أيضا بأصوات من وقف معها ودعمها وأيدها بالصوت والمال والكلمة الحق.

لقد مارس نظام الأسد بحق شعبه ما مارسته الأنظمة القمعية القبيحة الأخرى التي وجب القضاء عليها وإنقاذ الناس منها، ومن الواضح جدا أن النظام يصعد وتيرة القتل بشكل همجي ووحشي وطائفي وعنصري بلا أي رادع ولا خوف ولا اعتبار لأي قيم ولا معان ولا حرمات. وكذلك كشف للسوريين أمر من يقف معهم بضمير وبحق ومن يدعم قتلهم بالكذب والتلفيق والنفاق والتدليس، وهو الوضع الفاصل بين الحق والباطل «لِيَمِيزَ اللَّهُ الْخَبِيثَ مِنَ الطَّيِّبِ» كما قال الحق عز وجل في كتابه الكريم.

الثورة السورية هي الثورة الأهم؛ لأنها نتيجة الظلم الأطول مدى الذي كان مغلفا بأوهام العروبة وأكاذيب المقاومة وتدليس الممانعة. نظام الأسد ليس فقط نظاما ساقطا سياسيا وساقطا شرعيا، ولكنه، وفي المقام الأول والأهم، هو نظام ساقط أخلاقيا وبامتياز.

يدفع النظام القمعي لبشار الأسد بلاده اليوم نحو حرب أهلية وطائفية ويثير الرعب ويرفع فزاعة التشدد الديني كبديل له للحكم ويدير عمليات إرهابية فاشلة في دمشق وحلب (أيام الجمعة كل مرة. يا للصدفة!) وقبل المظاهرات، وذلك لإفزاع سكان أكبر مدينتين وإخافتهم من الثوار حتى لا يفكروا في الانضمام إليهم، ولكن ما يفضح النظام هو سرعة وجود كاميرات التلفزيون بعد دقائق من حصول التفجيرات، وعلى عكس ما يريده النظام فإن النقمة في المدينتين الكبيرتين انقلبت على النظام الأسدي وكشفته وانضمت للثورة؛ كما يبدو من الأعداد المتزايدة للثوار المنضمين لها.

سوريا هي الواجهة الأهم اليوم للمواجهة بين الخير والشر والحق والباطل؛ وجه الحق هو الثورة ووجه الباطل هو نظام الأسد. الخيار واضح.

[email protected]