تنقية الأجواء بين العراق والسعودية ضرورة ملحة

TT

ثمة ضرورات ملحة عديدة تدفع بالعراق نحو الانفتاح وتجسير العلاقة مع المملكة العربية السعودية، إذ إن العراق يعيش حاليا ظروفا بالغة التعقيد، بسبب الأزمة السياسية المتفاقمة في البلاد والمعبرة عن حالة من التخبط وفقدان الثقة ما بين الفرقاء السياسيين، مما انعكس سلبا على الوضع الأمني، لا سيما في الشهور الأخيرة بعد انسحاب القوات الأميركية، واحتدم الصراع بين الإخوة الأعداء. هذا من جانب، ومن جانب آخر فإن العراق مدعو إلى تحسين علاقاته مع جميع البلدان العربية لتوفير المناخ المناسب والملائم لإنجاح مؤتمر القمة العربية المزمع انعقاده في العراق وتسعى الدولة لحضور أعلى مستوى من التمثيل السياسي للبلدان العربية فيه.

ونحن على يقين من أن حضور السعودية بكامل ثقلها في المؤتمر سيسهم بالتأكيد في إنجاح المؤتمر، لما تتمتع به من ثقل عربي وإسلامي ودولي بوصفها دولة محورية معتدلة تنتهج سياسة ثابتة تعمل على استقرار المنطقة. وعلى الرغم من سكون العلاقة أو فتورها بين العراق والسعودية فالفرصة الآن مواتية لكلا الجانبين لتحسين العلاقة بينهما، إذ سينعكس الأمر إيجابا على الوضع السياسي والأمني في العراق وعلى المملكة، ويمتد ذلك ليشمل حتى البحرين ودول الإقليم كافة، وهناك أكثر من رسالة بعث بها العراق عبر وزارة الخارجية وتصريحات حكومية ولنواب من «دولة القانون» تدين التدخل الإيراني والتركي في العراق، من دون ذكر لأي دولة عربية.. على سبيل المثال ما أعلنه وزير الخارجية هوشيار زيباري من رفض للتصريحات الإيرانية والتركية الماسة بالسيادة العراقية، وتصريحات لا تميز بين سلطة ولاية الفقيه أو السلطان العثماني، فضلا عن قول مستشارة رئيس الوزراء نوري المالكي مريم الريس إنها ترفض تصريحات قاسم سليماني وتحذر من رؤية وجه آخر للعراق إزاء أي مساس أو تطاول من قبل إيران، وتصريحات الإدانة هذه لم تشر إلى أي دولة عربية، مما يعني أنها لا تضع هذه الدول في خانة واحدة مع الجيران العرب منتظرة رسائل مطمئنة من الدول العربية لتعزيز العلاقات مع العراق.

ولإظهار حسن النية من كلا الجانبين من الممكن الاستفادة مما أثير مؤخرا من تسريبات لصفقة مبادلة سجناء سعوديين، إذ إن هناك سعوديين من المحكومين بالإعدام وتسعى السعودية إلى إبرام صفقة مع الحكومة العراقية لتبادلهم مع سجناء عراقيين محكومين بالإعدام في المملكة.. ونرى أنها فرصة مناسبة ستسهم في إذابة المعوقات التي تحول دون عودة العلاقات إلى وضعها الطبيعي.

وهناك الكثير من الشخصيات السياسية والدينية الشيعية والسنية تحظى باحترام الدولتين من الممكن أن تسهم في ذلك، أو عبر تدخل الجامعة العربية، وهناك شخصيات لا يروق لها تحسين هذه العلاقة لكونها لا تريد للعراق أن يتعافى، لذلك نجدها تخلق التبريرات، ومنها الوقوف ضد إتمام هذه الصفقة بذريعة عدم المساواة بين الإرهابيين والمجرمين العاديين.. نقول لهؤلاء أين هم من إطلاق سراح العشرات من الإرهابيين الملطخة أيديهم بدماء الشعب العراقي، مبررين ذلك بالمصالحة الوطنية وتعزيز العملية السياسية؟

في السياسة أمن دولة أهم من أمن قرية.. والسياسة فن الممكن وليست تصورات أو ثارات عشائرية. إن تعزيز العلاقة مع المملكة سينسحب بالإيجاب على العملية السياسية ويطمئن جميع الأطراف المختلفة مع الحكومة ويمنح مساحة واسعة من التفاهم بين الفرقاء السياسيين العراقيين، فضلا عن تنقية الأجواء الملبدة بالشر.

كذلك فإن العراق اليوم بحاجة ماسة لتفعيل خط تصدير النفط عبر الموانئ السعودية في البحر الأحمر لتصدير نفطه، إذ يعد هذا الخط أكثر أمنا من تصدير النفط بواسطة الشاحنات عبر الأردن، ناهيك عن الوضع الأمني المتردي في سوريا مما يعني ضعف إمكانية تفعيل خط نقل النفط عبر ميناء طرطوس على البحر المتوسط، والآن هناك مؤشرات عديدة تشير إلى احتمال غلق مضيق هرمز أو نشوب حروب بين أميركا وإيران، الأمر الذي حدا بالدول الأوروبية إلى إعداد خطط طوارئ لهذا الصدد، وثمة دراسات بريطانية تؤكد أن العراق سيكون أكبر الخاسرين في حالة غلق مضيق هرمز، إذ سيخسر تصدير 80 في المائة من نفطه، أي ما يعادل خسارة زهاء 250 مليون دولار يوميا. لذا على الحكومة العراقية أن تسارع باتخاذ خطوات مناسبة قبل حدوث كارثة محتملة.