لماذا تتمتع الأسواق بهذه الدرجة الكبيرة من الثقة؟

TT

يتمثل أكثر تطور مفاجئ حدث حتى الآن هذا العام بشأن أزمة منطقة اليورو في القوة النسبية للأسواق وثقتها في مواجهة التقدم البطيء في حل أزمة منطقة اليورو، والركود السائد بمختلف أنحاء منطقة اليورو والمصادر المتعددة لعدم الاستقرار الجيوسياسي. لقد توقفت المفاوضات الخاصة بحزم الإنقاذ الممنوحة لليونان لمدة أسابيع. وبدا أن الحكومة اليونانية قد توصلت لاتفاق بشأن آخر مجموعة من إجراءات التقشف التي تمثل شرطا مسبقا لحصول اليونان على حزمة الإنقاذ التالية بعد تأجيلات كثيرة، فقط ليتم رفضها من قبل وزراء مالية منطقة اليورو ويطلب من اليونان تخفيض نفقاتها بقيمة 325 مليار يورو. ولم تنته بعد المفاوضات بشأن شروط مشاركة القطاع الخاص، ويلقي احتمال عجز اليونان عن سداد ديونها بظلاله، ما لم تحصل على حزمة الإنقاذ بحلول 20 مارس (آذار). غير أن اليورو لم يحتفظ بمرونته فحسب، بل زادت قيمته منذ بداية العام، مثلما ارتفعت قيمة أسواق الأسهم الأوروبية. فما أساس ذلك التفاؤل في مواجهة المخاطر الجسام وحالة الشك؟

ربما يكون ضخ البنك المركزي الأوروبي السيولة أكثر الإجابات المحتملة، ففي 22 ديسمبر (كانون الأول)، ضخ البنك المركزي الأوروبي مبلغا قيمته 489 مليار يورو في النظام المصرفي الخاص بمنطقة اليورو وأسواق السندات الحكومية بمنح قروض أجلها 3 سنوات للمصارف بموجب عمليات إعادة التمويل الأطول أجلا التي تنتهجها. وهذا البرنامج لم يوفر فقط معظم حجم السيولة التي تحتاجها مصارف منطقة اليورو، ولكنه دعم أيضا أسواق السندات الحكومية في منطقة اليورو بتسهيل عمليات شراء السندات الحكومية في منطقة اليورو من قبل مصارف توظف عمليات إعادة التمويل الأطول أجلا في شراء السندات الحكومية. ومن المفترض أن يوفر البنك المركزي الأوروبي مرفقا آخر لعمليات إعادة التمويل الأطول أجلا لمصارف منطقة اليورو بنهاية هذا الشهر. في المقام الأول، دعم هذا الحائط المالي اليورو وأسواق منطقة اليورو حتى الآن هذا العام. كذلك، أبقى بنك إنجلترا على عمليات منح السيولة، مضيفا مبلغ 50 مليار جنيه إسترليني إضافية هذا الأسبوع، ورافعا حجم رأسمال برنامج التسهيل الكمي إلى 325 مليار جنيه إسترليني.

بالطبع لا يعتبر صندوق عمليات إعادة التمويل الأطول أجلا التابع للبنك المركزي الأوروبي حلا للمشكلة، ففي أفضل الأحوال يمكن أن يمنع تفاقم الأزمة ويوفر بيئة مواتية لمخاطبة المشكلات الرئيسية. ولا يمكن الحفاظ على ظروف السوق المواتية الحالية من دون تقدم كبير في مواجهة المشكلات الهيكلية الأساسية.

وفي سياق حزم الإنقاذ وبرامج التقشف، يكتسب رد الفعل المضاد على المستويين العام والسياسي زخما، ففي اليونان قوبلت إجراءات التقشف بإضرابات وقلاقل أهلية. وعلى الرغم من عدم انتمائها لمنطقة اليورو، فإن رومانيا فقدت رئيس وزرائها نتيجة الاستياء العام من إجراءات التقشف المطلوب اتخاذها بموجب حزمة إنقاذها المقدرة بـ20 مليار يورو التي تم الاتفاق عليها مع صندوق النقد الدولي والاتحاد الأوروبي في عام 2009.

وبشأن رد الفعل العام تجاه التأثير السلبي المباشر لإجراءات التقشف، فإن صناع السياسة والمعلقين بالمثل لم يوجهوا الاهتمام الكافي للضرر الممتد الذي يمكن أن تسببه بعض إجراءات التقشف. من الواضح أن التخفيضات في النفقات الحكومية والزيادات في الضرائب سيكون لها تأثير سلبي على إجمالي الطلب، وهي واحدة من أكثر التبعات غير المرغوب فيها أثناء فترة ركود. وإضافة إلى التأثير الاقتصادي الكلي المباشر، فإنه يمكن أن يكون للضرائب غير المفروضة بحكمة أو تخفيضات الإنفاق تأثيرات أطول أجلا على القدرة التنافسية. على سبيل المثال، في رومانيا فرضت الحكومة ضريبة بأثر رجعي على قطاع الصناعات الدوائية من عام 2010. وعلى الرغم من كونها وسيلة سهلة لتحقيق عائد من صناعة تعتمد على الحكومة في الحصول على جزء كبير من عائداتها، فإن هذه الضريبة التمييزية والمفروضة بأثر رجعي سوف تؤثر سلبا على جاذبية رومانيا بالنسبة لقطاع الصناعات الدوائية.

وعلقت «بيزينيس مونيتور إنترناشيونال» بقولها إن هذه الضريبة قد قللت من جاذبية رومانيا كوجهة لشركات تصنيع الأدوية، لتهبط من المركز الثالث إلى السابع في أوروبا الوسطى وأوروبا الشرقية. وسوف يلحق هذا الحل المعتمد على تحقيق عائد على المدى القصير ضررا على المدى الطويل بالقدرة التنافسية لرومانيا واستثمارها الأساسي. وسوف يظل الأسلوب الحالي في التعامل مع أزمة اليورو خاضعا لاختبار على ثلاثة مستويات، أولا: ستحدد الأسواق العامة متى وعند أي مستوى يمكن أن تقترض حكومات منطقة اليورو. ربما تكون لدى البنك المركزي الأوروبي القدرة على مد يد العون بتوفير السيولة اللازمة، لكن لن يقف أي حل ضد رغبة الأسواق لفترة طويلة. ثانيا: سوف يختبر رد الفعل العام، وفي بعض الحالات سوف يلغي أمر الحكومة باستكمال برامج التقشف وتنفيذها. ربما تجد الحكومة اليونانية أن هذه هي الحالة في انتخابات أبريل (نيسان) المقبلة، مثلما يمكن أن ترى الحكومة الإيطالية في انتخابات العام المقبل. في النهاية: على المدى الأطول ربما تقود عددا من الإجراءات الهدامة، مثل الضريبة الرومانية المفروضة بأثر رجعي، مما يهدد بقاء الحكومات التي فرضتها من أجل تحقيق النفع على المدى القصير.

* مصرفي ومحام أميركي في حي المال بلندن، المدير المشارك في شركة «آي جي آي بي للاستثمار في الأسواق الناشئة».