مصير نظام الأسد تقرره حرب الاستنزاف

TT

بعد تعثر الحل السياسي، في أثر الفيتو الروسي/ الصيني، تتقدم أطراف المواجهة إلى نقطة اللاعودة: إلى الاحتكام للسلاح. تمر سوريا بمنخفض «جوي» سوف يجتذب السلاح الذي سيتدفق حتما، عبر حدود طولها أكثر من ألفي كيلومتر مفتوحة، أو بالأحرى تصعب مراقبتها. السوريون بأمس الحاجة إلى السلاح لخوض حرب استنزاف ضد نظام بات مرهقا. لكنه ما زال مراهقا. هذه الحرب المسلحة هي التي ستقرر مصير نظام يخوض في الواقع حربا همجية، منذ نحو سنة، ضد مواطنيه العزل من السلاح. من الحق المشروع في الدفاع عن النفس. والبقاء. والكرامة.

لا أتحدث عن فيتنام. كمبوديا. كوريا... أتحدث عن بلدي سوريا. ما أشق على النفس أن ترى مواطنيك. جيرانك. أهلك. أصدقاءك. أحبابك، وقودا للحرب. وضحايا لها. قتلى. جرحى. مفقودين.

وما أشبه الحرب السورية بالحرب الإسبانية (1936/ 1939) هي أيضا لم تكن حربا طائفية. أو أهلية. ولا حتى نظامية. كانت حربا بين الشعب وجيش عسكري فاشي.

هل يمكن تقصير أمد حرب الاستنزاف؟ نعم، بالتخطيط للإسراع في تفتيت الجيش السوري! فقد فَقَدَ هذا الجيش غيرته الوطنية، منذ سيطرة الطائفة الحاكمة عليه. تفتيت الجيش يتم بتشجيع وتنظيم انشقاق مائتي ألف مجند سني. هؤلاء لا يمكن تركهم في العراء. لا بد من تأمين إعادتهم إلى مدنهم. أو قراهم. أو إلحاقهم – إذا رغبوا – بالجيش السوري الحر الذي ما زال مفكك الأوصال، بحكم عمله في مناطق متفرقة.

تفتيت الجيش النظامي يحرم جيش الطائفة والعائلة (الحرس الجمهوري. والفرقة المدرعة الرابعة) من تأمين خطوطه اللوجيستية. لم يعد الجيش النظامي قادرا على خوض حرب حديثة. فقد سلبه جيش الطائفة أفضل دباباته (800 دبابة تي 72) التي يقتحم بها المدن والقرى.

الواقع أن جيش الطائفة (50 ألفا) يعاني أصلا من استنزاف طاقته ومعداته. بل لا يستطيع السيطرة الدائمة على المناطق التي يقتحمها. فهو ينسحب منها ليقتحم مناطق أخرى، فتتشكل المظاهرات مجددا. ويظهر معها الجنود المنشقون. لكن بأسلحة خفيفة، لافتقارهم إلى أسلحة مضادة للدبابات خصوصا.

إلى الآن، لم تعرف قيادة المعارضة الخارجية والعرب أيضا ضرورة مخاطبة الطائفة العلوية، وبالذات ضباطها، تأكيدا لضمان أمنها بعد التغيير، وذلك لمحاولة إحداث شقاق بينها وبين العائلة الحاكمة. ولتشجيع الضباط العلويين في الجيش على الانسحاب، تماما كما فعل العماد علي حبيب وزير الدفاع المستقيل.

قد يستعين جيش النظام بميليشيا حزب الله، وكتائب فيلق القدس والحرس الثوري الإيراني، لمواجهة أعباء حرب الاستنزاف. غير أن تدخل هذه الميليشيات في سوريا، يعطي الذريعة لتدخل عسكري تركي. ربما يكون مصحوبا بتدخل أميركي/ أوروبي.

أشير هنا إلى تحولات جديدة طرأت على الموقف الغربي، خلال الأيام القليلة الماضية. البنتاغون يدرس إمكانية فتح «معابر» برية، لإيصال مساعدات إنسانية، كالأدوية، إلى مناطق منكوبة بالحصار والقصف. عادت تركيا إلى الحديث عن إنشاء مناطق آمنة للنازحين. أوروبا تتحدث عن إمكانية فرض حظر جوي على نشاط الطيران السوري.

الديمقراطيات الغربية، عادة، تتحرك ببطء، وحذر شديدين، نحو التورط في مواجهات عسكرية. صبرت على صدام اثني عشر عاما. وعلى هتلر سبع سنوات. المأساة السورية راحت تحتل صدر صفحات الصحف الغربية، جنبا إلى جنب مع الأزمة المالية. كل ذلك يشير إلى احتمالات تدخل عسكري في سوريا في المستقبل المنظور، إذا لم يكن السلاح المتدفق على سوريا كافيا، لاستنزاف النظام وإسقاطه.

الاصطفاف واضح. أعداء الانتفاضة السورية ثلاثة. بشار. حسن حزب الله. نجاد/ خامنئي. الضائقة المالية لم تمنع إيران من دعم النظام ماليا. هناك إشارات إلى أن إيران ربما ضغطت على حكومة نوري المالكي، لتحويل صفقة الأسلحة الروسية (معدات وتقنيات قتال المدن) للنظام السوري، من الصندوق السيادي العراقي (60 مليار دولار).

أما القيصر بوتين فهو المظلة السياسية الواقية للنظام السوري من تدخل الشرطي الدولي (مجلس الأمن). لكن إذا استكملت الجهة المقابلة عملية الاصطفاف لديها، بتشكيل هيئة دولية (مجموعة أصدقاء سوريا)، فهي قادرة على تجاوز الاعتراضات الروسية، والتدخل مباشرة، لحسم الصراع العسكري.

المسألة ليست هينة. الدفاعات المضادة السورية قوية للغاية. مع ذلك بإمكان الناتو الضغط على أزرار الصواريخ، لتدميرها خلال أيام قليلة. فمساحة سوريا هي خمس مساحة ليبيا.

تأتي دول الخليج العربي في مقدمة الاصطفاف إلى جانب الشعب السوري. لأول مرة، منذ حرب الكويت (1991)، تقدم هذه الدول، بزعامة السعودية، على حسم موقفها في قضية عربية غير خليجية. طرد سفراء. وسحب سفراء. هما مقدمة لقرارات سياسية ولوجيستية لدعم السوريين في محنتهم.

أضيف بأن المنظور الخليجي للمسألة السورية أوسع بكثير، حتى من المنظور الشعبي السوري. فالمواجهة الخليجية مع نظام الأسد هي جانب من مواجهة أوسع مع النظام الإيراني الذي يهدد أمن الخليج، ويجيش مشاعر الشيعة الفارسية والعربية ضد الأنظمة العربية الحاكمة.

كذلك، بات نظام الأسد الابن، في المنظور الخليجي، عبئا مرهقا لوحدة التضامن العربي، من خلال إتاحة المجال لإيران، لاختراق المشرق العربي. وعبر تبنيه نظرية «الممانعة» لكسب صمت الرأي العام العربي، على اضطهاده لشعبه في الداخل، ولتسليط «حزب الله» على الديمقراطية اللبنانية الهشة.

وهكذا، فحرب الاستنزاف ومضاعفاتها، وصولا إلى تدخل عسكري، تندرج في المنظور الخليجي، في إطار مواجهة سنية/ شيعية، بحيث بات دعم الشعب السوري، بمثابة التزام خليجي، بكل ثقله السياسي والمادي، بما في ذلك ضمان إقامة وعمل نحو مليوني سوري في دول الخليج.

في وعوده لسيرغي لافروف، قال الأسد إنه «سيوقف العنف مهما كان مصدره». فقتل يوم «تشريف» الوزير الروسي خمسون سوريا. في اليوم التالي، قتل 110 مواطنين آخرين في حمص وحدها، حسب مصادر إعلام المعارضة.

يسأله لافروف: الرفيق أوباما يقترح أن تتنحى لصالح وكيلك (يلتفت إلى مدير المخابرات ميخائيل برادكوف) ما اسمه يا رفيق ميخائيل؟

برادكوف: أعتقد. اسمه الرفيق الكلي الاحترام فاروك الشرع.

بشار: سنجري انتخابات. سنسمح للمتوفين فقط بالتصويت لحزبنا القاعد.

لافروف: عظيم. شو كمان؟

بشار: سأطرح دستورا جديدا في المزاد. في الاستفتاء. الدستور الجديد يمنح الرئيس الحق في التجديد لنفسه مرتين فقط. كل مرة سبع سنوات. يعني سأظل رئيسا لعام 2028.

لافروف: أيها الرفيق بشار. وإذا اضطررت للتنحي فورا. هل لديكم بديل؟ فنحن لدينا الرفيق ميدفيديف. (يلتفت إلى برادكوف). ما اسم الرفيق ميدفيديف يا برادكوف؟

برادكوف: اسمه الرفيق ديمتري.

لافروف: أيوه ديمتري ميدفيديف.

بشار: إذا اضطررت للتنحي. فورا، سيتولى الرئاسة الرفيق حافظ الثاني (12 سنة). قمنا بتأهيله للرئاسة في روضة الأطفال.

خرج لافروف إلى الصحافيين: ألم أقل أيها الرفاق إن الحل سوري؟

يهرع الشبيحة. يحملون الرفيق لافروف إلى حيث زميله التركي الأغا داود أوغلو. فقد أصيب مثله بالتخمة. ابتلعا وعود وأكاذيب الرفيق «عرقوب».