هل حماس معرضة للانشقاق بعد كل ما قاله خامنئي لهنية؟!

TT

عندما يُستقبل إسماعيل هنية، الذي هو رئيس حكومة مقالة لا يعترف بها أحد، والذي لا يزال غير عضو في المكتب السياسي لحركة حماس، في طهران استقبال الأبطال ورؤساء الدول الكبرى من قبل المرشد علي خامنئي ورئيس الجمهورية الإسلامية محمود أحمدي نجاد وبالطبع وزير الخارجية، الذي كان في انتظاره في المطار، فإنه على «الأخ المجاهد» خالد مشعل أن يتحسس رأسه، وإنه على حركة المقاومة الإسلامية، التي بقيت تصف نفسها كما كانت تفعل فتح بأنها رقم لا يقبل القسمة، أن تعرف أنها غدت مستهدفة بوحدتها المشروخة أساسا، وأن بشار الأسد لن يغفر لها أن رئيس مكتبها السياسي قد خلع «فسطاط المقاومة والممانعة» وطلقه بالثلاث، وأنه رفض الاصطفاف إلى جانب هذا النظام في حربه المسعورة المستمرة ضد شعبه.

لقد جاءت كلمة السر التي أبلغها علي خامنئي لرئيس وزراء دولة غزة المقال، بعد أن همس في أذنه بكلمات لم يعرف حقيقتها إلا رب العالمين والولي الفقيه وضيفه العزيز، في هيئة تعليمات صارمة وأوامر بأنه على حماس «أن تحذر من أي تسوية مع إسرائيل.. يجب الحذر دائما من تسلل أنصار التسوية إلى منظمة المقاومة لإضعافها تدريجيا.. وإنه لا يساورنا أي شك في مقاومتكم ومقاومة أشقائكم.. والشعوب لا تنتظر منكم غير ذلك». والمؤكد أن هذا الكلام كان موجها بالدرجة الأولى إلى خالد مشعل الذي رفض دعم بشار الأسد في حربه على شعبه، والذي كان قد أعلن من دمشق قبل مغادرتها هاربا بقراره وبحياته عن تأييده لـ«المقاومة الشعبية السلمية» التي يرفع شعارها الرئيس الفلسطيني محمود عباس (أبو مازن)، والتي تعني التخلي عن العمل المسلح وتأييد الحل السلمي الذي يضمن إقامة دولة فلسطينية مستقلة إلى جانب دولة إسرائيل وفقا لحدود الرابع من يونيو (حزيران) عام 1967.

ولعل ما يعزز القناعة بأن زيارة إسماعيل هنية إلى طهران واستقباله فيها من قبل كبار أركان الجمهورية إيران، قد وضعت حركة حماس ولأول مرة منذ انطلاقتها في عام 1987 على مفترق وأمام تحدي التشظي والانقسام، يعزز هذه القناعة أن رئيس حكومة دولة غزة المقالة قد رد على تحذيرات الولي الفقيه بأن منظمته «لن تعترف بإسرائيل أبدا، وأن النضال متواصل حتى تحرير كامل أرض فلسطين والقدس وعودة كل اللاجئين الفلسطينيين إلى ديارهم».

ومما يشير إلى أن حركة حماس ستشرب حتما من الإناء نفسه الذي شربت منه كل التنظيمات الفلسطينية، التي أبدت «ممانعة» في أن تصبح ورقة بيع وشراء في يد هذا النظام السوري ورئيسه السابق حافظ الأسد، وأنها، أي حركة المقاومة الإسلامية، غدت مهددة بالانقسام بعد خروج خالد مشعل من دمشق هاربا بجلده وبقراره ومنظمته، أن ذهاب إسماعيل هنية إلى طهران قد جاء كتجسيد لتوترات داخلية في هذا التنظيم الفلسطيني الذي بقي متماسكا منذ إنشائه في عام 1987 وهي توترات كانت عكستها تصريحات عضو مكتبه السياسي (من تنظيم الداخل) محمود الزهار التي اعترض فيها على اتفاق المصالحة الأخير مع حركة فتح ووصْفِه إياه بأنه وقع من قبل رئيس المكتب السياسي لحركة المقاومة الإسلامية «بصورة فردية»!!.

كان رئيس حكومة دولة غزة المقالة قبل زيارته إلى إيران التي وسعت الهوة تنظيميا وسياسيا بين تنظيم الخارج وتنظيم الداخل في هذه الحركة، قد سمع ليس نصيحة بل طلبا بعدم الذهاب من قبل مراقب «الإخوان المسلمين» في الأردن الشيخ همام سعيد، الذي يرى كثيرون أنه لا يزال يعتبر نفسه «وصيا» على هذه الحركة على اعتبار ما كان قائما ومعمولا به قبل فك الارتباط التنظيمي بينها وبين «الإخوان» الأردنيين. لكن هنية رفض حتى الاستماع إلى هذا الطلب وأصر على الذهاب إلى طهران «وإن طال السفر».

وحقيقة أنه كان على «الأخ المجاهد» خالد مشعل أن يعرف، منذ أن وضع نفسه ومنظمته في المركب السوري - الإيراني، أن عليه أن يهيئ نفسه لدفع الثمن غاليا إن هو فكر حتى مجرد تفكير بالقفز من هذا المركب، إذ إن هذين النظامين لا يعرفان المزاح، وإنهما لا يمكن أن يتساهلا في أن يأكل من خبزهما ويستظل بظلهما أي كان، سواء كان فردا أم منظمة أو تنظيما، ثم في لحظة معينة يدير إليهما ظهره وينقل بندقيته من إحدى كتفيه إلى الكتف الأخرى.

كان على «الأخ المجاهد» خالد مشعل قبل أن يرمي بنفسه وبحركة حماس في أحضان التحالف السوري – الإيراني، وقبل أن يبادر إلى تلك الإطلالة على الفلسطينيين والعرب والعالم من ذلك المهرجان في مخيم اليرموك ليشتم عرب «الاعتدال» ويردد كل ذلك المديح الذي وجهه لـ«فسطاط الممانعة والمقاومة» أن يراجع مسيرة علاقات كل التنظيمات الفلسطينية مع هذا النظام السوري، إن في عهد الابن وإن في عهد الأب، وأن يدرك أن حافظ الأسد بقي يتعامل مع هذه التنظيمات كلها ومن بينها حركة فتح كورقة للبيع والشراء وكرقم ليس إلا، لتعزيز مكانة نظامه في المعادلة الإقليمية والدولية.

كان على خالد مشعل أن يتعلم من تاريخ النضال الفلسطيني السابق والمعاصر أن الدول ليست جمعيات خيرية، وأن قضية فلسطين بقيت تستخدم من قبل بعض الأنظمة العربية وفي مقدمتها نظام حافظ الأسد، الذي لا يزال مستمرا مع ابنه بشار، ليس كقضية مقدسة كما بقيت تقول إذاعات دول الانقلابات العسكرية، وإنما كورقة للمساومات والبيع والشراء وفي أحسن الأحوال لتضليل شعوب دول هذه الأنظمة والضحك عليها.

عندما أصر الرئيس الفلسطيني الراحل ياسر عرفات (أبو عمار)، رحمه الله، على الذهاب إلى تونس بعد الاجتياح العسكري الإسرائيلي للبنان عام 1982، فإنه أراد الهرب بالقرار الفلسطيني بعيدا عن هيمنة حافظ الأسد ومجالات تأثيره، فالمحادثات السلمية كانت قد بدأت سرا مع ما سمي «اليسار الإسرائيلي» ومع الولايات المتحدة وبعض الدول الأوروبية، ولذلك فقد كان لا بد من أن تكون إرادة الفلسطينيين غير مرهونة لسطوة الجغرافيا السياسية، والمعروف أن ثمن هذا كان ذلك الانشقاق الذي افتعلته المخابرات السورية داخل فتح بقيادة أبو موسى وأبو خالد العملة ونمر صالح (أبو صالح) في عام 1983 والذي سبقه اغتيال جنرال الثورة الفلسطينية المميز سعد صايل (أبو الوليد) رحمه الله.

كل التنظيمات الفلسطينية من فتح إلى الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين إلى الجبهة الديمقراطية إلى جبهة التحرير الفلسطينية إلى حتى الجبهة الشعبية - القيادة العامة لم تسلم من انشقاقات متعددة متلاحقة افتعلها نظام حافظ الأسد داخلها، ولذلك فإن هناك الآن ثلاثة عشر تنظيما في دمشق هي في معظمها قيادات بلا قواعد، وهذا درس كان على «المجاهد» خالد مشعل أن يتعلم منه الشيء الكثير قبل أن يضع كل بيضه في السلة الإيرانية – السورية، وأول ذلك أنه عندما اختار هذا الخيار الصعب فإنه كان يجب أن يدرك أن المطلوب منه أصبح كالمطلوب من أحمد جبريل، وأن هروبه بجلده وبقراره لن يعفي حماس من أن يضربها سيف الانقسام الأسدي، كما ضرب كل التنظيمات الفلسطينية الفعلية والوهمية بلا استثناء!!