أم التفاسير

TT

سنة بعد خروج وتنحي الرئيس السابق، حسني مبارك، عن الحكم ولا تزال محاولات تحليل وتفسير الكيفية التي وصلت بها الأمور إلى ما وصلت إليه، وكيف تطورت الأوضاع لتصل إلى النهاية التي وصلت إليها، ومع احتداد المواقف وزيادة مساحة العنف والدم والغصب تكون ردود الفعل بحجم الأفعال، وطرحت الكثير من «النظريات» و«التصورات» لقراءة ما حدث وأسباب ذلك، وشخصيا أطلعت على كم لا بأس به منها، ولكن عليّ الاعتراف والإقرار بأن أكثرها إثارة وغرابة وأقواها في تحفيزي على معرفة المزيد عنها هو ما أفادني به أحد الأصدقاء في جلسة معه ذات يوم وكنا نتبادل الأقوال والآراء عن الوضع في مصر وتبعاته وعلاقة الجيش والإخوان المسلمين سابقا وحاليا، حتى فاجأني بمعلومة كانت هي بداية لافتة لفكرة ونظرية تفسير ما حدث في مصر.

المعلومة تقول إن الأخوين غير الشقيقين لقرينة الرئيس المصري السابق سوزان ثابت هما ابنا أخت مأمون الهضيبي القائد التاريخي المهم جدا في مسيرة الإخوان المسلمين، وتحديدا المقصود أخواها جهينة ومحمد. فالقصة أن «الإخوان» أدركوا في لحظة ما أنهم لن يصلوا للحكم عن الطريق التقليدي الذي كانوا يحلمون به ويخططون له فحاولوا تغيير هذا الأمر عبر أن يكون الحكم «لابنهم» جمال من داخل بيت الحكم، ومنذ عام 2005 اتضحت سطوة جمال ووالدته على قرار الأب وبدأ خطان متباينان يسيّران الحكم في مصر أطلق عليهما، جزافا، «الحرس القديم» و«الحرس الجديد»، وكان يدير لجمال مبارك شؤون هذا الخط «صديق» له اسمه أحمد عز، ووالده كان أحد قيادات الإخوان المسلمين من الصف الثاني، وبدأ الإعداد بقوة لمشروع التوريث دستوريا، عبر تعديل مواد الدستور، وحزبيا، بإمساكه زمام الأمور عبر لجنة السياسات التي تحولت لأداة تدير شؤون البلاد التنفيذية، وخصوصا الجانب الاقتصادي منها، ولكن كان حسني مبارك وبضغوط من الجيش يواجه رفضا لهذه الفكرة التي تسمى «التوريث»، وكان هناك من يروج ضدها إعلاميا، ولكن كان اليسار بشكل أساسي هو الذي تصدى لرفض هذه الفكرة عبر الحراك السياسي، مثل حركة كفاية وغيرها، وعبر الصحف والبرامج التلفزيونية الجريئة التي كانت تلمح بقوة وبوضوح أحيانا ضد مشروع التوريث وزبانيته حتى فضحت نتائج انتخابات 2010 ما حصل وبدأت الأمور في الخروج عن المقبول، وهنا استشعر الجيش أن حسني مبارك «انتهى»، وأن «الإخوان» سيصلون الى الحكم عن طريق جمال مبارك. وعليه؛ فإن السؤال المحوري: هل انقلاب الجيش على حسني مبارك كان ضد التوريث كما هو ظاهر، أم أنه ضد سيطرة الإخوان المسلمين على الجيش والحكم في موقف ولحظة بلغ فيها الالتباس والخلل في الفهم بين المسألتين الحد الأقصى؟ وهو قد يفسر «سرعة» حراك العسكر لعقد صفقة ما مع الإخوان المسلمين ليحكموا دون أن يتسلموا الحكم، وهو ما يتضح من موقف الاستفتاء الذي تم على عجالة، وأشرف على إعداده طارق البشري، الإخواني العتيق السابق.

والآن سوف يكون المشهد السياسي المقبل في مصر مبنيا على حكم ظاهري للإخوان المسلمين وحزبهم، الحرية والعدالة، ولكن لن يكون الحكم كله لهم، إذ سوف يكون لـ«العسكر» ورموزه دور محوري وأساسي لن يتم الاستغناء عنه. وبالرجوع؛ هذا قد يفسر عدم حماسة الإخوان المسلمين للثورة على مبارك في أيامها وساعاتها الأولى، حتى اتضح لهم أن النظام ساقط لا محالة فنزلوا للشارع استغلالا للظرف واستثماره بأقصى حد حتى كتبت لهم المكاسب حتى الآن، التي كانوا الأكثر جاهزية لها نظرا للقاعدة الشعبية والبنية السياسية التي تم تجهيزها عبر السنوات الطويلة.

طبعا هذه نظرية، مجرد نظرية، ولكنها مثيرة، ومن الممكن أن تفتح أبوابا للنقاش لمعرفة أسرار ما تم وتسبب في سقوط حسني مبارك، التي لم تُروَ كافة فصولها الى الآن.

[email protected]