كلام ساقط

TT

من قدر له أن يتابع الإعلام السوري الناطق باسم النظام يجد عجائب وغرائب فات تدوينها على كتاب النوادر.

مثلا قناة «دنيا» أو قناة «سيريا نيوز»، هذه الأيام تشنان حملة عرمرمية على دول الخليج، خصوصا السعودية، باعتبار أن هذه الدول هي التي تقود الحملة العربية والدولية ضد نظام بشار الأسد، الذي تدك دباباته وجيوشه مدن حمص وحماه ودرعا وإدلب وغيرها.

شاهدت أكثر من تقرير مصور من الشارع على هذه القنوات، يطلب فيه من الشخص المتحدث أن يبدي رأيه في خطاب الأمير سعود الفيصل وزير الخارجية السعودي، الأخير، في الجامعة العربية، الذي تحدث فيه عن عمق المأساة السورية، وكيف أن السكوت عن هذا الأمر عار على العرب والمسلمين جميعا، وكيف أن الأوضاع الإنسانية بلغت مرحلة مرعبة من الانحدار بفعل القتل والتهجير والقصف الأعمى الذي يمارسه جنود بشار الأسد ضد الأهالي والمدنيين بحجة ملاحقة المسلحين.

شن المتحدثون هجمات لفظية على السعودية ودول الخليج وعلى وزير الخارجية السعودي، وهذا كله مفهوم، فهناك بالفعل من هو من أنصار النظام في دمشق، ولا يعجبه أن يحاصر هذا النظام أو يعاقب، ولا نقول إنهم «كلهم» مكرهون على قول هذا الكلام، لنتذكر أن القذافي ما زال له أنصار في ليبيا حتى بعد «إعدامه» من قبل الثوار في الميدان.

المهم هو تركيز من تحدثوا، وتركيز هذه القنوات وغيرها من الجهات المنحازة لبشار الأسد، على أن سوريا بلد متحضر، وقديم الحضارة، وأنه مهد الديمقراطية والثقافة والمجد، وأنه يجب على وزير الخارجية السعودي أن ينظر إلى وضع المرأة السعودية التي لا تستطيع أن تقود السيارة، قبل أن يتحدث عن سوريا! وليس بعيدا عن هذا المنطق، كلام مندوب سوريا لدى الأمم المتحدة، بشار الجعفري، الذي أتحفنا بقراءة قصائد نزار قباني في جلسة مصيرية! وتحدث عن أن حكام الخليج لا يستطيعون بلوغ فصاحة رئيسه أو قدراته الإملائية في الكتابة.

أهل الخليج، وبعيدا عن المساجلة والمناكفة، ليسوا كما تفضلتم أيها السادة، فهم يعرفون القراءة والكتابة جيدا، لكن صدقتم في أنهم لا يملكون التاريخ المدني الذي تملكه بلاد الشام؛ قديما وحديثا، والذي شوه جانبا منه وقضى عليه نظام الأسد نفسه!

والمرأة في السعودية، كما تفضلتم، لا تقود السيارة، بل وأزيدكم أنه للتو سمح لها بعد معركة مريرة بمجرد بيع الملابس الداخلية للنساء، وأزيدكم أيضا - حتى تشيروا إلى ذلك في التقارير المقبلة – لا تستطيع السفر إلا بمحرم حتى ولو كانت أستاذة جامعية ومحامية متخرجة من أعرق الجامعات الأميركية.

لكن أهل الخليج لم يحاصروا مدنهم بالدبابات ولم يقتلوا الأطفال، ولم يبقروا بطون النساء، ولم يجتزوا حنجرة مغن لأنه «عكنن» مزاج السيد الرئيس.

أهل الخليج لم يحولوا بلدانهم إلى مراع للمخابرات وقلاع للأمن.. لا حسيب ولا رقيب، ولم يستغلوا دماء ومأساة الشعب الفلسطيني بشكل رخيص من أجل تبرير القمع والفساد.

حينما تكون المقارنة بين حاكم يحسن الإملاء، ويسمح للنساء بقيادة السيارة، وحاكم لا يقتل شعبه ولا يسلط عليه الدبابات؛ بل «يحاول» أن يصلح ما استطاع إلى ذلك سبيلا، حتى ولو كانت هناك عثرات، فلا مقارنة عندها بين الموت والحياة.. بين حاكم يريد الحياة لشعبه، وحاكم يريد له الموت.

رئيس سوريا «يفتك» بشعبه.. ما نفع أن يحسن الإملاء أو يسمح للنساء؟!

منطق عاطل فعلا.. وساقط.

[email protected]