المواجهة المقبلة: تركيا ضد إيران

TT

لا يكاد يمر يوم واحد دون أن يقوم مسؤول إيراني بتهديد تركيا، فعلى سبيل المثال، قام اللواء يحيى رحيم صفوي في الآونة الأخيرة بتوجيه تحذير لأنقرة يقول فيه: «يجب على تركيا أن تعيد النظر بشكل جذري في سياساتها تجاه سوريا، والدرع الصاروخية لحلف شمال الأطلسي، والترويج للعلمانية الإسلامية في العالم العربي، وإلا ستواجه متاعب من شعبها ومن جيرانها».

ولا يعد هذا شيئا جديدا، حيث يعود الصراع التركي - الإيراني إلى عدة قرون، وبالتحديد إلى أيام السلاطين العثمانيين والشاهات الصفويين. وقد تراجع هذا التنافس لفترة وجيزة في القرن العشرين عندما أصبحت تركيا دولة منطوية على ذاتها، مما أدى إلى وجود حالة من الفراغ في منطقة الشرق الأوسط. ومع ذلك، نما الاقتصاد التركي بشكل كبير وبرزت تركيا بوصفها عملاقا إقليميا خلال العقد الماضي في ظل حكم حزب العدالة والتنمية، وهو ما أعاد إليها مكانتها ودورها الإقليمي، وأصبحت أنقرة بمثابة العقبة الرئيسية في وجه الأطماع الإيرانية للسيطرة على المنطقة، من خلال المواقف التركية في الأحداث التي تشهدها المنطقة، بدءا من الثورة السورية، ومرورا بالتوترات الطائفية في العراق، حتى الطموحات الإيرانية لامتلاك أسلحة نووية.

وفي أعقاب وصول حزب العدالة والتنمية إلى سدة الحكم عام 2002، لم يكن الأتراك مهتمين بالتنافس مع الإيرانيين، وبدت العلاقات التركية - الإيرانية على ما يرام إلى حد كبير، حيث كان كل منهما يدافع عن القضية الفلسطينية، ولم يكن يبدو آنذاك أن أنقرة مهددة بالمشروع النووي الإيراني، وباتت الزيارات رفيعة المستوى بين الحكومتين أمرا طبيعيا، وازدهرت العلاقات التجارية بين البلدين.

وفي هذه الأثناء، كان يبدو أن اعتراض البلدين على الحرب الأميركية على العراق قد ساعد على توحيد الأتراك والإيرانيين، للدرجة التي جعلت طهران تتوقف عن إيواء متمردي حزب العمال الكردستاني التي كانت تحثه على مهاجمة تركيا بسبب المواقف التركية المؤيدة للغرب. وبدأت طهران بعد الحرب العراقية في قصف معسكرات حزب العمال الكردستاني التي كانت قد سمحت بوجودها على أراضيها، وهو ما ساعد على تحسين العلاقات الثنائية.

وبعد ذلك، جاء الربيع العربي، ووضعت الثورة السورية البلدين على طرفي نقيض في المسرح الإقليمي والسياسي، حيث أيدت أنقرة، بدافع من تقاليدها الديمقراطية، الثورة السورية ودعمت المحتجين، في حين استمرت إيران، بدافع من حكمها السلطوي، في دعمها نظام الأسد وقمعه الوحشي للمدنيين.

ووصلت الثورة السورية إلى معادلة صفرية؛ فإما أن ينتصر بشار الأسد، وإما أن ينتصر المتظاهرون، ثم تحولت القضية إلى حرب بالوكالة بين طهران وأنقرة، وسوف تسفر في النهاية عن منتصر واحد فقط.

وعلى هذا الأساس، أصبح كل شيء جائزا بين أنقرة وطهران، حيث تجاهل الأسد، بتشجيع من إيران، نصيحة الأتراك له بإجراء إصلاحات في البلاد، في حين تقوم تركيا الآن بدعم واستضافة وتسليح المعارضة السورية. وردا على ذلك، قامت إيران بتوجيه ضربات إلى تركيا من خلال تقديم الدعم مرة أخرى لحزب العمال الكردستاني الذي شن عشرات الهجمات التي أدت إلى مقتل أكثر من 150 تركيا منذ صيف 2011.

وقد أدى هذا الانقسام بشأن سوريا إلى حدوث انقسام آخر في ما يتعلق بالوضع في العراق، حيث تدعم تركيا وإيران معسكرين متعارضين تماما. ومنذ أول انتخابات ديمقراطية في العراق في عام 2005، قامت إيران بدعم حزب الدعوة الشيعي برئاسة نوري المالكي، في حين قامت تركيا بدعم «القائمة العراقية» العلمانية بزعامة إياد علاوي. وبعد أشهر من النزاع بعد انتخابات 2010، قام المالكي بتشكيل حكومة في بغداد، وهو ما كان بمثابة انتصار لطهران.

وشن المالكي حملات قمعية على الفصائل المدعومة من أنقرة، وأصدر مذكرة اعتقال بحق طارق الهاشمي نائب الرئيس العراقي وزعيم الطائفة السنية، الذي لجأ إلى المنطقة التي يسيطر عليها الأكراد في العراق. وفي الوقت الحالي، يعمل الأكراد، الذين كانوا يكرهون العرب السنة بسبب اضطهادهم لهم في عهد صدام حسين، على إصلاح جسور العلاقات مع السنة، كما يؤيدون المواقف التركية لمواجهة النفوذ الإيراني داخل العراق.

وقد خلق الصراع التركي - الإيراني في الهلال الخصيب العديد من المشكلات، حيث يهاجم الزعماء الإيرانيون «الإسلام العلماني» التركي ويهددون بـ«ضرب تركيا» إذا ما نفذت أنقرة التزامها بدعم مشروع الدرع الصاروخية لحلف شمال الأطلسي عن طريق وضع أجهزة رادار على أراضيها. وتمثل تركيا، وهي عضو في حلف شمال الأطلسي ولها توجهات كبيرة في الشرق الأوسط، تهديدا للمصالح الإيرانية الآن أكثر من التهديد الذي كانت تمثله قبل عقد من الزمان. ويمكن أن تصبح إيران أكثر عدوانية، حيث يشير بعض المحللين إلى أن فيلق القدس الإيراني، وهو وحدة العمليات الخاصة في الحرس الثوري الإيراني، قد يكون على علاقة بحزب العمال الكردستاني في شمال العراق لاستهداف كل من تركيا والأكراد العراقيين.

وبدأ كلا البلدين يكشف عن أوراقه ببطء في إطار أقدم صراع على النفوذ في المنطقة. وفي الحقيقة، هناك مجال لأن يكون هناك شاه واحد أو سلطان واحد في الشرق الأوسط، ولكن ليس هناك مجال لوجود الشاه والسلطان معا.

* خدمة «نيويورك تايمز»