«رهان كوني» على الإخوان المسلمين

TT

بدأ الرئيس الأميركي، باراك أوباما، التواصل مع جماعة الإخوان المسلمين قبل ثلاث سنوات، في خطابه الشهير بالقاهرة في شهر يونيو (حزيران) عام 2009، حيث تم توجيه الدعوة لعشرة أعضاء من أعضاء الجماعة للاستماع إلى الخطاب، واستمعوا إلى جزء من الخطاب قد أعد لهم خصيصا، كان يقول: «تحترم الولايات المتحدة حق جميع من يرفعون أصواتهم حول العالم للتعبير عن آرائهم بأسلوب سلمي يراعي القانون، حتى لو كانت آراؤهم مخالفة لآرائنا، وسنرحب بجميع الحكومات السلمية المنتخبة شريطة أن تحترم جميع أفراد الشعب في ممارستها للحكم».

وعلى الرغم من أن الرئيس المصري السابق، حسني مبارك، لم يحضر الخطاب، فإنه كانت هناك رسالة معدة له خصيصا هو ايضا، عندما قال الرئيس أوباما: «إن قمع الأفكار لا ينجح أبدا في القضاء عليها». وبالتأكيد، كان أوباما محقا في هذا القول.

وفي الحقيقة، قامت الولايات المتحدة بما يمكن أن يوصف بأنه «رهان كوني» على النية السلمية للإخوان المسلمين. إن مغازلة الولايات المتحدة للإخوان المسلمين في عام 2009 قد ساعد في إضفاء الشرعية على الطموحات السياسية للجماعة، كما أن رفض الولايات المتحدة مساعدة الرئيس المصري، أثناء الاحتجاجات التي شهدها ميدان التحرير قبل عام، ضمن ظهور الإخوان المسلمين كقوة سياسية بارزة في مصر الجديدة بعد الثورة.

لقد صعدت جماعة الإخوان المسلمين الآن من خلال فوز حزب الحرية والعدالة بما يقرب من نصف المقاعد في برلمان ما بعد الثورة في مصر. وقد أدلى مسؤولوها بتصريحات ملطفة، وقدموا أوراق بحث تؤيد السوق الحرة. بل إن هناك مقطع فيديو غنائيا على موقع «يوتيوب» لجماعة الإخوان المسلمين، مصحوبا بإيقاع أخاذ، يقول: «سوف نحمي الحرية ونحافظ على العدالة».

يبدو الأمر في مجمله مطمئنا. غير أن قوة «الإخوان» كشريك لم توضع بعد موضع اختبار بدرجة كبيرة، بل إن حتى مسؤولي الإدارة يقرون بأن التحول الديمقراطي في مصر قد أتى بنتائج أسوأ من المتوقعة. في الوقت نفسه، تحرك جماعة الإخوان المسلمين حركة المعارضة في سوريا.

تشكل جماعة الإخوان المسلمين أهمية بالغة لمستقبل العالم العربي - وما زالت جماعة غامضة في أعين الغرب - بحيث يعتبر من المفيد مراجعة تاريخهم. الأمر الواضح هو أنه منذ نشأتها، شددت جماعة الإخوان المسلمين على أهمية تحرير المسلمين من تأثير الغرب.

إن هذا السعي للكرامة والاستقلالية هو أقوى عوامل جاذبية الإخوان المسلمين، إلا أنه ربما يجعل الجماعة شريكا صعبا.

تشكلت جماعة الإخوان المسلمين في عام 1928 من قبل المصريين الذين عارضوا الاستعمار البريطاني. جمع مؤسس الجماعة، وهو مدرس يدعى حسن البنا، ستة من أصدقائه كانوا يعملون بشركة «قناة السويس». ولتفادي المخبرين، وضعت الجماعة إجراءات معقدة لانضمام الأعضاء.

نمت الحركة، التي ظهرت في البداية كحركة سياسية وثقافية ودينية، بسرعة، بحسب أحد التقديرات، زاد عدد الأعضاء ليصل إلى 200 ألف عضو بحلول عام 1938. اغتيل البنا في عام 1949، بعد أن هاجمت جماعة الإخوان المسلمين مملكة الملك فاروق الفاسدة.

وحمل الرسالة المعادية للغرب «شهيد» آخر عظيم من أعضاء جماعة الإخوان المسلمين، وهو سيد قطب. كان قطب كاتب مقالات بارعا دخل في صدام مع الولايات المتحدة في نهاية الأربعينات من القرن العشرين. فبعد زيارته نيويورك وواشنطن وكولورادو ولوس أنجليس، خلص إلى أن «الروح لا تمثل أي قيمة للأميركيين».

ويتضح اشمئزاز قطب من العلاقات الجنسية خارج رابطة الزواج التي شهدها في الولايات المتحدة من خلال هذا الجزء الذي ورد في رواية «البرج الظاهر للعيان» (Looming Tower)، للكاتب لورانس رايت: «فتاة تنظر إليك، تبدو كما لو كانت حورية فاتنة أو عروس بحر هاربة، ولكن مع اقترابها نحوك، لا تستشعر سوى الغريزة المتأججة بداخلها، ويمكنك أن تشتم رائحة جسدها المشتعل بالرغبة، لا رائحة عطرها، وإنما جسدها، جسدها فقط».

وعند عودة قطب إلى مصر، انضم لجماعة الإخوان المسلمين. ورفض كل المساعي من جانب حكومة جمال عبد الناصر لتجنيده، وأعدم في عام 1966.

وفي مواجهة قمع لا يتوقف، سرعان ما تحولت جماعة الإخوان المسلمين إلى حركة سياسية، نبذت العنف، على الأقل على الورق، وقد رسخت جذورا عميقة في منظمات متخصصة في مصر، وفازت بنحو 20 في المائة من المقاعد في البرلمان، حينما سمح لها بخوض انتخابات مجلس الشعب في عام 2005. وتعلمت التحدث بلغة تميل بدرجة أكبر إلى الاستعطاف.

وبلهجة التطمين هذه، ذكر مسؤولو جماعة الإخوان المسلمين أنهم سينافسون على نسبة 30 في المائة فقط من المقاعد في الانتخابات البرلمانية الأخيرة؛ في واقع الأمر، خاضوا الانتخابات في معظم المدن، وفازوا بأغلبية المقاعد تقريبا. كذلك، خططت جماعة الإخوان المسلمين لتكون نسبة الموافقة على التعديلات الدستورية التي أجري استفتاء عليها في مارس (آذار) 77 في المائة، ذلك الاستفتاء الذي ركنوا إليه كتصويت لحماية اللغة التي تبشر بالشريعة الإسلامية بوصفها «المصدر الرئيسي للتشريع».

ويشير أوليفر روي، الخبير الفرنسي في شؤون العالم الإسلامي، إلى أن جماعة الإخوان المسلمين ستتعلم الديمقراطية من خلال ممارستها: «الثقافة الديمقراطية لا تسبق المؤسسات الديمقراطية؛ الثقافة الديمقراطية تتأتى باستيعاب تلك المؤسسات»، هكذا يقول. وهذا، في جوهره، هو الرهان الذي قام به أوباما.

* خدمة «واشنطن بوست»