عودة إلى الأصول

TT

منذ أن بدأ بعض النواب والوزراء اللبنانيين استخدام الأحذية (على أنواعها) في مخاطبة الناس وزملائهم والقانون الدولي، كمثل القول «المحكمة الدولية مثل صرماتي العتيقة»، منذ تلك الأيام السعيدة، ولي هم واحد: هل يفهم الأشقاء العرب هذه التعابير النبيلة، أم هي عامية لبنانية صرفة؟

وما دام لبنان «بلد الإشعاع» كما قيل في الماضي، فكيف الطريقة لأن نضمن تطمين الأشقاء بأن الإشعاع مستمر، وأن الحرص على اللغة قائم؟ وأن يكون الحرص على الخطاب قد صار على الأرض: صرمة، صباط، وما تفرع من نعال أو قباقيب أو بوابيج أيضا.

وجدت مطلبي في «المعجم المفصل بأسماء الملابس عند العرب» للمستشرق الهولندي رينهارت دوزي (الدار العربية للموسوعات) الذي لم يترك خفا ولا بغلوطاقا (القميص الكثير الكمين) أو بقيارا (طرحة) أو طيلسانا، إلا وشرحه وفصله وبسطه على الأرض. ومنه أن السرمة أو الصرمة، خف مصنوع من الجلود المراكشية، وتخلع هذه عند دخول المنزل «تأدبا واحتشاما». ويبدو - للأهمية - أن الصرمة شبيهة بالبابوج المصري، وفقا للعالم الهولندي.

ويشرح لنا (كما يشرح فهد بلان لحبيبته عن حالته) أن الطماق، أو الجزمة، كلمة تركية الأصل، وتكون هذه صفراء فاقعة الصفرة أو برتقالية، والبابوج أو البابوش فارسية، مع أن صاحب «رحلة إلى اليمن السعيد»، (1716) يقول: «كانت ساقا ملك اليمن وقدماه عاريتين إلا من بابوج على الطريقة التركية».

وقد استخدم أحد نواب الأمة في البرلمان اللبناني كلمة «صباط» في الاستعارة والتشبيه، عندما قال لزميل له: «صباطي محترم قد راسك». وكان يعتقد أن «صباط» إيطالية أو إسبانية الأصل، ومنها عائلة رئيس الوزراء الإسباني السابق ساباتيرو (أي مصلح الصبابيط). لكن لا، يا مولاي. العكس صحيح تماما. فأصل الكلمة عربي مائة في المائة، وهو ثبت، وقد استخدمه أجدادنا في الأندلس في وصف قوة القدم وانشقت منها كلمة «زباتو» الإسبانية. ومنها أغنية فيروز «ضربة قدمكم ع الأرض هدارة.. انتو الأحبة وإلكم الصدارة».

وسوف يلقى نواب لبنان الميالون إلى الخطاب الأرضي، أو النعلي، مفردات ثرية كثيرة في قاموس المستشرق الهولندي، منها بالذات، الثردة، وهو خف أندلسي انتقل فيما انتقل إلى اللغة الإسبانية.

ونعد جنابكم باللجوء إلى القواميس كلما ظهر في الحوارات اللبنانية تعبير ملتبس الأصول والجذور، بحيث لا تبقى المسائل معلقة، ويتم وضع الأشياء في أمكنتها، بحيث لا يغفل عن الجيل الجديد ما تعرض له آباؤه من مشاق في البحث عن تعبير مناسب في الوقت المناسب في المكان المناسب.