إضفاء الشرعية على سياسات مكافحة الإرهاب

TT

أظهر استطلاع للرأي، أجرته صحيفة «واشنطن بوست» وشبكة «إيه بي سي» الإخبارية في هذا الشهر، دعما غير عادي من جانب الحزبين الأميركيين الرئيسيين لسياسات الرئيس أوباما لمكافحة الإرهاب. وقال سبعون في المائة من الذين شاركوا في الاستطلاع، (بما في ذلك غالبية تعرف نفسها على أنها من الديمقراطيين الليبراليين)، إنهم يوافقون على إبقاء معتقل خليج غوانتانامو مفتوحا، بينما قال 83 في المائة، (بما في ذلك 77 في المائة من الديمقراطيين الليبراليين)، إنهم يوافقون على استخدام أوباما الطائرات المسلحة من دون طيار ضد المشتبه فيهم من الإرهابيين في الخارج. وأشار غريغ سارجنتن، الصحافي بصحيفة «واشنطن بوست»، قائلا «من الصعب أن نتصور موافقة هذه الأعداد من الديمقراطيين والليبراليين على مثل هذه السياسات إذا كان جورج دبليو بوش هو من أمر بتنفيذها».

وليس هناك من شك في أن أرقام الاستطلاع المدهشة هذه تعكس حقيقة أن بعض الأميركيين يثقون بباراك أوباما أكثر مما كانوا يثقون بجورج دبليو بوش لتنفيذ سياسات عدوانية لمكافحة الإرهاب. ولكن، هناك تفسير أكثر عمقا وأهمية، وهو أن نظام الضوابط والتوازنات الدستوري الخاص بنا قد عمل بشكل جيد للغاية في العقد الماضي لإضفاء الشرعية على هذه السياسات وتوليد إجماع وطني لدعمها.

وقد ذكر سؤال استطلاع الرأي، الذي أجرته صحيفة «واشنطن بوست» وشبكة «إيه بي سي» الإخبارية، بشكل مضلل، أن إدارة أوباما هي التي اتخذت «القرار» بإبقاء معتقل غوانتانامو مفتوحا. ولكن الحقيقة هي أن الرئيس كان قد تعهد في أول يوم له في منصبه بإغلاق هذا المعتقل، وقال إنه ما زال يريد إغلاقه حتى يومنا هذا. والسبب في أنه لا يزال مفتوحا، هو أن الكونغرس، للمرة الأولى في تاريخ الولايات المتحدة في زمن الحرب، أدرج نفسه في سياسة احتجاز العدو، ومنع فعليا الرئيس من إغلاق المنشأة.

وكان الكونغرس، بدوره، يستجيب لوجهات نظر الشعب الأميركي. فأحد الأسباب وراء كون الأميركيين قد أصبحوا أكثر راحة بشأن عمليات الاعتقال في معتقل غوانتانامو، هو أن هذه الاعتقالات لم تعد ترتكز على الأحادية الرئاسية، وأنها لم تعد مشكوكا في صحتها من الناحية القانونية. وقد حدث هذا التطور لأن المحكمة العليا، في سابقة تاريخية أولى أخرى، قضت بأن المعتقلين في غوانتانامو يجب أن يحصلوا على حقهم المكفول لهم دستوريا في قيام المحكمة بإطلاق سراحهم إذا لم تتوافر الأدلة والأسباب الكافية لإبقائهم محتجزين. وقد تلا ذلك قيام قضاة المحاكم الابتدائية، باستعراض الكثير من حالات الاعتقال في معتقل غوانتانامو والموافقة عليها.

وقد أصبحت المحاكم تلعب دورا كبيرا في شؤون المعتقلين، لأن المنظمات غير الحكومية، مثل مركز الحقوق الدستورية، قامت برفع دعاوى قضائية جديدة تطعن في شرعية الاحتجاز من قبل القائد العام. وقد تم دعمها في هذا المسعى من قبل «السلطة الرابعة»، وهي الصحافة، التي تمكنت من الدخول إلى عمق آلة حرب الرئيس بشكل لم يسبق له مثيل، وقامت بكشف مجموعة من الأخطاء والتجاوزات التي حفزت المحاكم على العمل.

وقد تلقت الصحافة، بدورها، دعما من محاميِ السلطة التنفيذية، والمفتشين العامين، والمبلغين عن المخالفات، والدعاوى القضائية المتعلقة بحرية الحصول على المعلومات، والآلاف من الجهات الخاصة المترابطة معا في جميع أنحاء العالم الذين شاهدوا أفعال الولايات المتحدة في «الحرب على الإرهاب» وقاموا بكتابة تقارير عما شاهدوه وانتقاد ما رأوه في التقارير، ورسائل البريد الإلكتروني، والمدونات وغيرها من وسائل الإعلام.

وقد أحدثت هذه الضوابط غير العادية على الرئاسة، والكثير غيرها، تغييرا كبيرا في سياسة الاعتقال الأصلية التي وضعتها إدارة بوش لمعتقل خليج غوانتانامو، حيث تم الإفراج عن بضع مئات من المعتقلين، بينما يحصل أولئك الذين لا يزالون هناك على حقوق قانونية لم يسبق لها مثيل، ويعيشون في ظل أوضاع إنسانية. وقد خلفت لنا سنوات المعارك القانونية والسياسية المسببة للانقسام، نظاما قانونيا شرعيا ومحكما للاعتقال، يحظى بدعم وطني على نطاق واسع.

وتفسر هذه القصة العامة نفسها السبب في استمرار الحكومة في تنفيذ سياسات مكافحة الإرهاب العدوانية الأخرى. فعلى الرغم من قيام المحكمة العليا بإلغاء لجان بوش العسكرية الأصلية، فإنها أوضحت أنها يمكن أن تكون مشروعة إذا ما تمت الموافقة عليها بشكل صحيح من قبل الكونغرس. وقد قام الكونغرس لاحقا بمباركة هذه اللجان مرتين، مانحا في إطار هذه العملية، حقوقا لم يسبق لها مثيل للمتهمين أمام هذه اللجان. وليس من المستغرب أن يدعم الشعب الأميركي استخدام هذه اللجان على نطاق واسع.

وقد أصبح برنامج المراقبة دون إذن قضائي، الذي كان يوما ما أحادي الجانب ومثيرا للجدل، شرعيا من خلال عملية مماثلة. وكشفت الصحافة أسرارا عميقة حول جهود بوش الأصلية في هذا الصدد. وغير الكونغرس ثم باراك هذا البرنامج، الذي تشرف عليه اليوم محكمة اتحادية خاصة عن كثب، من خلال مدققي حسابات حكوميين، الذين يقومون بتقديم تقارير منتظمة إلى الكونغرس.

وقد تم فحص برنامج الطائرات من دون طيار، التابع لوكالة المخابرات المركزية، بدرجة غير عادية أيضا. وقد كشفت الصحافة تفاصيل كثيرة حول هذا البرنامج الذي يعد سريا من الناحية الرسمية، مما أتاح الفرصة للدخول في نقاش عام متين حول شرعيته. وبالإضافة إلى ذلك، تبلغ الحكومة بشكل منتظم لجان الكونغرس بالتفاصيل الدقيقة حول هذا الأمر. وكانت محكمة فيدرالية قد نظرت أيضا في البرنامج وقضت بأن الدستور قد ترك مسألة تشغيله للسلطة السياسية بدلا من القضاة. وكان نتيجة ذلك، على الأقل حتى الآن، وجود دعم على نطاق واسع لهذا البرنامج.

وقد افترض معظم الناس عندما واصل أوباما سياسات مكافحة الإرهاب الخاصة بسلفه، أن الرئاسة كمؤسسة قد خرجت عن السيطرة. ولكن في الواقع، فإن العكس هو الصحيح، حيث واصل أوباما معظم سياسات بوش لأن المؤسسات الأخرى وقفت ضد التجاوزات التي قام بها بوش ثم باركت تلك السياسات بعدما تم تغييرها.

وقد شعر أوباما أيضا بلدغة تلك الضوابط عندما ذهب بعيدا جدا في محاولته إغلاق معتقل خليج غوانتانامو، وعندما حاول محاكمة خالد شيخ محمد أمام محكمة مدنية.

وخلاصة القول هو أن إدارتين للرئاسة، ذواتي وجهات نظر مختلفة تماما بشأن السلطة التنفيذية وتكتيكات مكافحة الإرهاب، قد انتهى بهما المطاف إلى نفس المكان تقريبا، لأنه كانت هناك قوى دستورية أقوى من أهداف وتوجهات الرؤساء تعمل عملها.

* أستاذ في كلية الحقوق بجامعة هارفارد، وعضو في فريق عمل مؤسسة «هوفر» المعنية بالأمن الوطني والقانون

* خدمة «واشنطن بوست»