اظهر وبان وعليك الأمان

TT

قبل مدة أتتني هذه الرسالة على تليفوني الجوال وهي عبارة عن بيتين من الشعر الشعبي وجاء فيها:

يا خوي وينك صرت ما عد تنشاف

زعلان والا كل هذي قطاعه

قربنا نسأل عنك كاهن وعراف

ونشوف من غيّر علينا طباعه

ومن حرصي على رد السؤال بجواب أحسن منه، اتصلت بالرقم المرسل، غير أن التليفون كان مغلقا، فتركت الموضوع وكدت أنساه، لولا أنه في اليوم الثاني بعث لي بنفس الرسالة، وعاودت أنا نفس الاتصال دون جدوى، واستلمني ذلك (الكائن) المجهول، ففي كل يوم أو يومين تقريبا يبعث لي بنفس الرسالة الشعرية، وأول ما أقرأ أول كلمة منها أمسحها على الفور مع بعض الشتائم الخفيفة تطورت مع الوقت وأصبحت ثقيلة جدا.

وأصبح همي كله أن أعرف هذا الإنسان المعاتب الغامض الذي لا شك أنه يعرفني وإلا ما كرر اتصالاته المزعجة هذه، فخطر على بالي أن أستفسر عنه من أحد المعارف العاملين في استعلامات شركة الاتصالات، وبعثت له بتلك الرسالة مع الرقم، وبعد مدة هاتفني قائلا إن صاحب الهاتف مجهول الهوية، وهناك شرائح أرقام للهواتف تشترى بكل بساطة من بائعين على الأرصفة وهذا يبدو أنه واحد منهم.

الحقيقة أنني أصبت بالإحباط، فظللت صامتا، غير أنه قطع علي صمتي قائلا: لماذا أنت زعلان؟!، فهذان البيتان من الشعر هما مطلع لأغنية معروفة، ولولا معزتك عند المرسل ما بعثها لك، فقلت له: الله لا يبارك فيه لا هو ولا الأغنية ولا المطرب، المهم (يفكوني) منهم.

وقبل عدة ساعات من كتابتي لهذا الموضوع وصلتني نفس تلك الرسالة اللحوحة التي لم تتعب من كثرة التكرار طوال خمسة أشهر تقريبا، في الوقت الذي بدأت فيه أنا أتعب من كثرة المسح.

ولا أعلم ماذا يستفيد ذلك (العبيط) من قذفي ليل نهار برسالته الممجوجة تلك؟!

وإذا كان هناك أمل بأن المرسل العجيب يقرأ كلامي هذا فأقول له مع مزيد من الاحترام:

والله (يا بعد روحي) إنني أنشاف، بل وأعرض نفسي شاهرا ظاهرا على الملأ، كل يوم ليتأملوا في خلقة الله المنكوبة - وبعد ذلك يحمدون ربهم على خلقتهم الحسنة - أما عن الزعل، فقاتل الله الزعل، وأساسا أزعل ليه؟!، وهل في حياة البشر السعيدة، في عالمهم الوديع هذا ما يزعل؟!.. أبدا والله، كل الأمور (آخر السطا)، والجو بديع والعالم العربي كله يعيش في (ربيع) وليس هناك أحد (يلهف) حق أحد، ولا أحد ينهش عرض أحد، وها هو الحمل ينام هانئا في حضن الذئب، وها هي اللبوة (تخرط الملوخية) للغزال الشارد، وها هي الحمامة تلعب (نط الحبل) مع صقر الصقور الجارح.

وأرجوك ثم أرجوك، أيها المرسل الغامض لا تسأل عني أي كاهن أو عراف.. لأنني لا أؤمن بالكهنة ولا بالعرافين.. ولو كان العالم كاهنا لسلطت عليه من يشق ثوبه من قبل ودبر، ولو كان البشر (شلة) من العرافين لمسحت بهم لو أستطيع أرصفة الشوارع..

والآن يا سيدي ويا عزيزي أتوسل إليك: اظهر وبان وعليك الأمان.

وإلا تدري، (اذلف واقلب وجهك)، لأنني بالفعل أصبحت قطوعا، وتغيرت طباعي وتحولت إلى (سعلوة).

[email protected]