باكستان وأسامة بن لادن

TT

عندما أظهرت الحكومة المدنية والقضاء الباكستاني إشارات متجددة على الحياة، ربما كان الوقت قد حان لطرح السؤال الذي كانت باكستان تتجنبه منذ تسعة أشهر: كيف تمكن أسامة بن لادن، أخطر إرهابي في العالم، من الاختباء في مدينة عسكرية قريبة من إسلام آباد دون علم أي شخص؟

طرح مثل هذا السؤال لا يعني اتهام الجيش أو الاستخبارات الباكستانية بارتكاب جريمة، فحتى الآن لم تظهر أدلة دامغة. لكن هناك كثيرا من التساؤلات المحيرة حول إقامة بن لادن في أبوت آباد لمدة ست سنوات. وما من أحد يرغب في معرفة الإجابات عن هذه التساؤلات أكثر من الجنرال أشفق كياني، رئيس أركان الجيش، الذي سيكتسب مصداقية جديدة في الداخل الباكستاني وفي الخارج بعد السماح بإجراء مثل هذا التحقيق.

ويلخص الجنرال مايك هايدن، المدير السابق لوكالة الاستخبارات المركزية (سي آي إيه) الشعور الذي انتشر بين الأميركيين والباكستانيين بالقول: «دون أن نكون اتهاميين، أعتقد أن من صالح باكستان أن تعمل على تنقية الأجواء».

قد لا يبدو الأمر مقبولا كما يبدو؛ إذ لا يمتلك المسؤولون الأميركيون أية أدلة على أن كياني أو أيًّا من كبار المسؤولين الباكستانيين كانوا على علم بوجود بن لادن قبل غارة الثاني من مايو (أيار) الماضي، التي قتل خلالها بن لادن زعيم تنظيم القاعدة. هذا التقييم مبني على مراجعة للمواد التي تم الحصول عليها من المجمع الذي كان يقيم فيه بن لادن، إضافة إلى ردود فعل كياني والمسؤولين الآخرين ليلة الغارة.

مما يجعل التحقيق أمرا ممكنا الآن، هو أن الحكومة الباكستانية التي عادة ما تقع تحت تأثير الجيش، أكدت على استقلاليتها. ويحاول البرلمان دراسة كيفية استئناف العلاقات الباكستانية - الأميركية، وإدانة المحكمة العليا الباكستانية رئيس الوزراء يوسف رضا جيلاني في فضيحة فساد، والأهم من ذلك توجيه اللوم إلى رئيس جهاز الاستخبارات الباكستاني على معاملة السجناء. وتمكن رئيس البلاد آصف علي زرداري من البقاء في منصبه على الرغم من الشائعات المستمرة بأن الجيش يرغب في إقالته.

وللخروج بباكستان من هذا المأزق، ينبغي لرئيس المحكمة العليا افتخار محمد تشودري أن يشكل لجنة تحقيق خاصة لدراسة هذه القضايا العالقة بقصة أسامة بن لادن.

وبناء على محادثة مع مسؤولين أميركيين وباكستانيين ومسؤولين آخرين، هذه هي بعض الأسئلة التي تحتاج إلى إجابات:

* كيف حضر أسامة بن لادن إلى أبوت آباد في عام 2005، وماذا يعرف المسؤولون الباكستانيون عن مخبئه؟ كان كياني مسؤول الاستخبارات الباكستانية في تلك الفترة، لكن الشخصية الأكثر هيمنة كان الرئيس برويز مشرف، قائد الجيش الأسبق. وكان مدير الأكاديمية العسكرية في أبوت آباد بدءا من عام 2006 الجنرال نديم تاج الذي خلف كياني في رئاسة الاستخبارات عام 2007.

* من الذي كان يمتلك المجمع السكني في عام 2005 وكيف تم إعداده لاستقبال الضيف الجديد؟ قيل لي إن سجلات الملكية الأصلية اختفت؛ لذا، فإن الإجابات ستكون مشوبة بالغموض. لكن أحد المصادر الاستخباراتية قال لي إن المصمم الذي صمم المعسكر كان يستأجر بانتظام من قبل وكالة الاستخبارات الباكستانية، وقد قيل للمهندس إن شخصا رفيع المستوى سيحضر إلى هذا المنزل.

* وماذا عن المزاعم الأخيرة التي أطلقها الجنرال زياد الدين بوت، الرئيس السابق للاستخبارات الباكستانية، من أن البيت الآمن في أبوت آباد كان يستخدم من قبل مكتب الاستخبارات، وهي وكالة تجسس باكستانية أخرى؟ وبحسب التقرير الذي صدر في ديسمبر (كانون الأول) في الصحف الباكستانية، بأن من أعد لوصول بن لادن إلى أبوت آباد كان العميد إعجاز شاه مدير المكتب في الفترة من عام 2004 إلى 2008 بناء على أوامر من مشرف. ونشر صحافي باكستاني يدعى عارف جمال مؤخرا مقالا وصف فيه شاه بأنه ضابط اتصال بن لادن.

* بمن اتصل بن لادن خلال إقامته في أبوت آباد؟ على الرغم من أن المواد التي تم الحصول عليها من المجمع السكني الذي كان يقيم فيه لم تظهر علاقة مباشرة بكبار المسؤولين الباكستانيين، فإن المحللين الأميركيين وجدوا أدلة على أن زعيم «القاعدة» اتصل بمحمد عمر، زعيم جماعة طالبان، وبجماعة «عسكر طيبة» الباكستانية. ويعتقد أن الاستخبارات الباكستانية كانت تراقب كلتا المجموعتين عن كثب، فكيف انتقلت هذه الرسائل؟

وماذا عن الشائعة بأن بن لادن كان يعاني من فشل كلوي ويتطلب الأمر غسلا كلويا؟ هذه الشائعة الكاذبة كانت تتردد لسنوات، خاصة من قبل مشرف. وكان محللو وكالة الاستخبارات المركزية دائما ما يتشككون في مصداقية هذه المعلومات، فلم يعثر على ماكينة غسل كلوي في أبوت آباد. لذا؛ هل كانت هذه معلومة كاذبة تم تمريرها عمدا؟ وماذا عن زعم بن لادن في نوفمبر (تشرين الثاني) 2001 لصحافي باكستاني، حميد مير، أن لديه أسلحة نووية وكيميائية؟ هل كانت تلك محاولة يسرتها باكستان لتعزيز ما وصفه بن لادن بقوة ردعه أمام الهجمات الانتقامية الأميركية؟

قائمة الأسئلة التي لم تلق إجابة لا تزال مستمرة، لكن هذه العينة كافية لإثارة الاهتمام. كي تحظى باكستان بالثقة في المستقبل وتضع عقودا من الأكاذيب المريعة خلفها، ربما يكون الوقت قد حان لبدء تحقيق رسمي؛ لا لكي ترضي الولايات المتحدة، بل لضمان كرامة باكستان.

* خدمة «واشنطن بوست»