العبرة في خيمة بشار المهلهلة

TT

أحببتم الثورات العربية أم كرهتموها فالناس تكاد تتفق على أن أبرز منجزات النظم القمعية المستبدة هو الاستقرار الأمني، فهشاشة الوضع الأمني في دول الربيع العربي (مصر وتونس وليبيا واليمن وسوريا) هي السمة السائدة وإن تفاوتت فيما بينها.

بطبيعة الحال لا أريد أن أصل إلى نتيجة أن الاستبداد بعجره وبجره ومصائبه هو أخف الضررين، فقد سبق أن أكدت في مقالات سابقة أن مرحلة ما بعد الثورات من الطبيعي أن تمر بحالة من عدم الاستقرار والاضطرابات والهشاشة الأمنية قد تطول وقد تقصر، وهذا ما تم رصده في الثورات الفرنسية والبلشفية وغيرهما. لكن مقابل هذه الحقيقة، هناك حقيقة أخرى وهي أن بعض الثورات قد تنزلق إلى أتون حرب أهلية تأكل أخضر بلدانها ويابسها، ولهذا ثار جدل بين النخب العربية وصل بأقصى أطرافها إلى حد التحسر والندم على عهد القذافي وبن علي ومبارك، وربما قلق صادق على الانهيار المرتقب لنظام بشار، ووصل بالطرف الآخر إلى الترحيب بالثورات والتغيير مهما كانت الآثار والتبعات.

وبالتأكيد فإن هذا الجدل حول جدوى الثورات من عدمها لن يقدم ولن يؤخر شيئا في الدول التي اندلعت فيها الثورات وتدحرجت بسببها رؤوس أنظمتها أو على وشك كما في سوريا، فقد سبق سيف الثوار عذل المحللين. الذي يهم في هذه المرحلة الحاسمة هو الدول العربية التي لم تعلق بثوبها شرارة الثورات العربية والتي لا يمكن لأحد أن يجزم بأن أحدا منها بمنأى تام عن تأثير الثورات وتداعياتها، واللافت أن عددا من هذه الدول لم تتعامل كما يجب مع عواصف الثورات العربية ولم تدرك خطورتها كما ينبغي، ولم تستعد لها بحزم إصلاحية. فهذه الصين التي تبعد عن عالمنا العربي آلاف الكيلومترات وتبعد عن عاداته وتقاليده وإرثه التاريخي والحضاري مثل مسافته الجغرافية ويحكمها نظام مكين سياسيا واقتصاديا وعسكريا، ومع ذلك فعطسة الربيع العربي أصابت الصين بالزكام.

يجب على بقية الدول العربية ألا تراهن على الاستقرار التي تنعم به متكئة على القبضة الأمنية، لأن الخيار الأمني مهما كان قويا فمآله إلى الانهيار المفاجئ مع وجود الفساد المالي والإداري، ويكفينا عبرة دول ساقت شعوبها بأشرس الأساليب القمعية كتونس وليبيا وسوريا، ثم انهارت قبضتها كما ينهار جبل جليدي ضخم، فهذا نظام بشار الذي مارس بلطجته الأمنية حتى على الإعلاميين العرب، صار عاجزا هذه الأيام حتى عن السيطرة على الإعلاميين الذين ينقلون التقارير الحية للعالم على الهواء مباشرة ومن قلب دمشق بل ومن جوار قصره الجمهوري في منطقة المزة، نعم يمكن لأي مستبد أن يراهن على الخيار الأمني مدة محدودة لكن يستحيل أن يتكئ عليها في المحافظة على حكمه مدة طويلة.

عدد من الدول العربية التي تندلع فيها الثورات لم تحصن خيامها بما يكفي ضد عاصفة الثورات العربية التي اجتاحت مصر وتونس وليبيا واليمن، فاقتلعت خيام أنظمتها وعلى وشك أن تقتلع خيمة نظام بشار، أكثر الأنظمة العربية إحكاما للقبضة الأمنية، فلم يتبق للدول العربية التي سلمت حتى الآن من اندلاع الثورات إلا أن تنظف خيامها من بقع الفساد الكبيرة ثم تثبتها بأوتاد إصلاحات حقيقية وبأسرع وقت ممكن، فالعواصف معروفة بالمباغتة وقوة التدمير.