التعاون البريطاني ـ السعودي وقضايا الشراكة بين القطاعين الخاص والعام

TT

سيشهد الأسبوع الحالي زيارة وفد الشراكة بين القطاع الخاص والعام البريطاني للمملكة العربية السعودية، وتتضمن زيارة الوفد لجدة والرياض وزيارة عمدة لندن المملكة العربية السعودية. وتمثل هذه الزيارات فرصة لدعم عناصر الخدمات المالية للشراكة الاستراتيجية الجديدة بين المملكة المتحدة والمملكة العربية السعودية. وكان لي شرف رئاسة بعثة الشراكة بين القطاعين العام والخاص. طالما كانت المملكة العربية السعودية حليفة المملكة المتحدة، وتزداد العلاقة بين الدولتين عمقا واتساعا. وتسلط الزيارات المنتظمة على المستوى الوزاري وعلى مستوى رئاسة الوزراء الضوء على أهمية العلاقات الثنائية، في الوقت الذي يوضح فيه التواصل المستمر بين العائلة المالكة البريطانية والعائلة المالكة السعودية مدى قوة العلاقات بين الطرفين. وقال ألدرمان ديفيد وتون، عمدة لندن، الذي يستعد لهذه الزيارة: «علاقتنا بالخليج هامة وآمل أن تزداد هذه الشراكة طويلة الأجل قوة خلال زيارتي. تظل لندن محلا للريادة في سوق المال العالمية، والمركز المالي الأكثر جذبا للأنظار في العالم. لدينا ثروة من الخبرة ونماذج التمويل المبتكرة التي يمكنها أن تتحكم في حركة تدفق رؤوس الأموال بين البلدين. ننظر إلى هذه العلاقة في إطار مشاركة المهارات والتجارب والخبرة من أجل نمو القطاع المالي في الدولتين. وستدعم الشراكة الأكثر ترابطا الأهداف الإقليمية الخاصة بالتنوع الاقتصادي والنمو وتنمية البنية التحتية».

وتعد المملكة العربية السعودية أهم شريك تجاري في الشرق الأوسط، بينما تعد المملكة المتحدة ثاني أكبر مستثمر أجنبي في المملكة العربية السعودية بعد الولايات المتحدة، حيث يوجد حاليا نحو 200 مشروع مشترك بين المملكة المتحدة والمملكة العربية السعودية، ويقدر إجمالي استثمارات المملكة المتحدة في السعودية بـ17.5 مليار دولار. وبحسب مكتب المملكة المتحدة للإحصاءات القومية، زاد حجم صادرات المملكة المتحدة من السلع المنظورة إلى المملكة العربية السعودية بنسبة 16 في المائة ووصل إلى 3.076 مليار جنيه إسترليني (4.6 مليار دولار أميركي) عام 2010. وعندما تضاف الخدمات يصل الإجمالي إلى 5.4 مليار جنيه إسترليني (8 مليارات دولار أميركي) عام 2010. ويبدو من السابق لأوانه الثقة في إحصاءات عام 2011، لكن تشير الإحصاءات الأولية الواردة من «يو كيه تي آي» إلى نمو الصادرات السعودية إلى المملكة المتحدة بنسبة 29 في المائة. ولا تشمل هذه الإحصاءات صادرات المملكة المتحدة إلى المملكة العربية السعودية عبر موانئ الإمارات العربية المتحدة. وأغلب الاستثمارات السعودية في المملكة المتحدة في قطاع العقارات والمحافظ الاستثمارية. ويمكن أن تتقلص الإحصاءات الخاصة بحجم التجارة بين البلدين إذا تم احتساب الاستثمارات العقارية والمحافظ الاستثمارية. ويتكون وفد الشراكة بين القطاعين الخاص والعام من كبار الخبراء الذين يتمتعون بخبرة كبيرة في كل الجوانب الدولية للشراكة.

ويتولى تنظيم هذه الزيارة هيئة الاستثمار والتجارة والخبراء البريطانيين التابعة للحكومة البريطانية التي تعمل في مجال المشاريع المقامة في المملكة المتحدة لضمان نجاحها في الأسواق العالمية وتشجيع أفضل الشركات في الخارج على النظر في اتخاذ المملكة المتحدة شريكا عالميا. وتعد الهيئة كيانا رائدا في تنظيم القطاع الخاص للشركات البريطانية التي تقدم خدمات احترافية على المستوى الدولي. ومن أهداف الوفد الدعم المستمر والمتواصل للعلاقات السياسية والتجارية الثنائية. ويعتزم أعضاء الوفد تعزيز علاقات راسخة قوية وإقامة صلات جديدة. ومن شأن هذه الشراكة أن تعزز الشراكات السعودية - البريطانية للاستفادة من الخبرة البريطانية الكبيرة في تنمية البنية التحتية الأساسية في النقل والرعاية الصحية ومشاريع الطاقة الكبرى والوحدات السكنية الاجتماعية وتجديد المجتمعات العمرانية والتعليم وتقديم التدريب من أجل المساعدة في تنفيذ الخطط السعودية.

وعلى الرغم من عدم الإشارة إلى الشراكة باسم ثابت، فإن هناك نوعين من الشراكة بين القطاعين العام والخاص، تحصل الشركات الخاصة في أحدهما على العائدات وتتحمل المخاطر أو كليهما، وعادة ما يطلق عليها اسم امتياز. أما النوع الثاني فيتضمن تحمل الحكومة تلك المخاطر وعادة ما يشار إليه باسم «مشروع قائم على العائد السنوي».

وبصفتي رئيس مؤسسة «ألترا كابيتال» المتخصصة في الاستشارات الخاصة بالشراكة بين القطاعين العام والخاص، اقترحت في «سيتي سبييس» في جدة العام الماضي النموذج الأنسب، في رأيي، لهذا النوع من الشراكة في المملكة العربية السعودية وهو نموذج معدل من نموذج المشاريع القائمة على العائد السنوي الذي قدمته مبادرة التمويل الخاص في المملكة المتحدة واليابان وماليزيا. وتتبنى المملكة العربية السعودية شراكات بين القطاعين العام والخاص من أجل التماشي مع الزيادة السريعة في السكان. ويمكن لهذه الشراكة أن تقدم أفكارا جديدة في الحركة وتستغل على النحو الأمثل الموارد التي يتم التركيز عليها من أجل تنمية البنية اللازمة للانتقال من الاقتصاد القائم على الهيدروكربون إلى الاقتصاد القائم على المعرفة. لقد قلت وقتها وأقولها الآن إن هناك احتمالات كبيرة لنجاح الشراكة بين القطاعين العام والخاص، حيث يمكن أن يوفر القطاع الخاص وظائف تقوم على المعرفة والخبرة للسكان الذين يتزايد عددهم في إطار دعم القطاع العام الذي سيطور من قدرته على التوصل إلى تصميم بنية تحتية اجتماعية جيدة. وتمثل الشراكة بين القطاعين العام والخاص تحسنا في فرص إدارة وتطوير الاقتصاد إلى جانب إقامة اقتصاد مزدهر منتج يوفر فرص عمل كثيرة. وسيتم استحداث مجالات جديدة قائمة على الخدمات بفضل الخبرة في مجال الهيدروكربون الذي يوجد بوفرة في المملكة. ويعد إعادة تعريف جودة الخدمات وتحسين معايير التوصيل والبحث عن عائدات اجتماعية لا عائدات اقتصادية فقط؛ ضروريا لنجاح الشراكة.

وسوف يناقش الوفد البريطاني تجربته الدولية مع نظرائه السعوديين؛ وسوف يوفر الفرصة لتحفيز وتشجيع سلسلة إمداد قوية طويلة الأجل من القطاع الخاص المحلي لدعم مشاريع الشراكة بين القطاعين العام والخاص. وسوف يدرس المفوضون كيف يمكن أن تساعد مشاركتهم في الكثير من الدول - السعوديين في تطوير مفاهيم الأداء الأمثل بشأن الشراكة بين القطاعين العام والخاص.

ويتمثل أحد أهم أهداف سياسة الإدارة السعودية في تشجيع المشاريع الصغيرة والمتوسطة الجديدة. ومن خلال إتاحة تجربة بريطانيا الدولية، يمكن إنشاء سلاسل إمداد القطاع الخاص المحلية القوية طويلة الأجل، فضلا عن أنه سيكون هناك حوار بشأن كيفية إنعاش الشراكة بين القطاعين العام والخاص التقدمَ صوب تنفيذ مشاريع صغيرة ومتوسطة جديدة.

وسوف يضم الوفد شركة «ماكسويل ستامب»، ذات المسؤولية المحدودة، وهي شركة بارزة في مجال الإدارة والاستشارات الاقتصادية وعضو مؤسس في المجموعة البريطانية لتمويل مشاريع الخبرة والشراكة بين القطاعين العام والخاص. وعلق ريتشارد كوبيسز، نائب الرئيس التنفيذي، قائلا: «شعوري هو أن المشاريع الكبرى (مشاريع إنتاج الكهرباء والماء بالشراكة مع القطاع الخاص وإنشاء محطات الطاقة، إلخ...) تتجه إلى الاستعانة بالبنوك الدولية الكبرى كمستشارين، لذلك سيكون من بين الأهداف استكشاف ما إذا كان هناك قطاع أدنى مستوى، مثل الشركات متوسطة الحجم والمشاريع الصغيرة والمتوسطة، ومحطات توليد الطاقة الأصغر حجما، ومعامل معالجة المياه». وقال إنه يتطلع إلى مقابلة الشركاء السعوديين المحتملين ومناقشة هذا الأمر معهم.

وبحسب تقرير نشرته مجلة «ميدل إيست إنسايت» عن سوق مشاريع المملكة العربية السعودية لعام 2012، بلغ إجمالي قيمة العقود الممنوحة في المملكة 66 مليار دولار في عام 2011، مسجلة زيادة نسبتها 6 في المائة في العام الماضي. وتشير هذه الأرقام إلى أن المملكة العربية السعودية تعتبر الآن أكبر سوق للمشاريع في المنطقة، يكافئ حجمها حجم الخمس دول الأخرى الأعضاء في مجلس التعاون الخليجي مجتمعة.

وتعد الشراكة بين القطاعين العام والخاص عاملا رئيسيا في صياغة السياسات الاقتصادية لدول مجلس التعاون الخليجي، من خلال سعيها لتحسين وتوسيع نطاق بنيتها التحتية في مقابل تنامي السكان الذين يزداد عددهم بسرعة والذين يطالبون بمستويات معيشة أعلى بشكل ملحوظ. وتمثل المملكة العربية السعودية سوقا محتملة ضخمة نظرا للسرعة التي تتقدم من خلالها الشراكة بين القطاعين العام والخاص، وتحديدا في قطاع المرافق، مع اتساع نطاقها بشكل متزايد لتضم قطاعات أخرى.

تمثل برامج الشراكة بين القطاعين العام والخاص التي يتسع نطاقها في المنطقة أهمية متزايدة للشركات البريطانية، بتوفيرها فرصا للشركات العاملة في قطاعات عدة، بدءا من البناء إلى المستشارين القانونيين والمتخصصين في مشاريع الشراكة بين القطاعين العام والخاص.

ويقول جيمس فييرو، رئيس مجلس الإدارة والرئيس التنفيذي لشركة «ريسيبكو كاباسيتي إكستشينج»، إن عاملا أساسيا من العوامل المساعدة في تحقيق أهداف شركته هو إقامة علاقات من شأنها أن تمكن شركة «ريسيبكو» من الارتكاز على التعاون مع الهيئة العامة للاستثمار وتنمية الوعي لدى أعضاء المجلس الاقتصادي الأعلى بشأن الصورة التي يمكن أن تساهم من خلالها شركة «ريسيبكو» في تحقيق أهداف اقتصادية معينة. ومن بين أعضاء الوفد التجاري إيان ميلر، المدير العام لشركة «كاريليون» السعودية ذات المسؤولية المحدودة. وتعتبر شركة «كاريليون» إحدى أبرز شركات البناء وخدمات الدعم في المملكة المتحدة، ويعمل بها قرابة 55.000 موظف، يدرون لها عائدا سنويا قيمته 30 مليار ريال سعودي، وعمليات بمختلف أنحاء المملكة المتحدة وأوروبا وكندا والشرق الأوسط.

ومن خلال محفظة أعمال الشراكة بين القطاعين العام والخاص حازت الشركة جوائز في قطاعات حيوية بالنسبة للمجتمع: الصحة والتعليم والتجديد والطرق والسكك الحديدية والدفاع والعقارات التجارية. وشكلت شركة «كاريليون» مؤسسة متخصصة في تمويل القطاع الخاص في عام 1996 لدعم أهداف الحكومة البريطانية والاستثمار في مشاريع مبادرات التمويل الخاص. وتوفر المؤسسة، المعروفة الآن باسم «كاريليون بريفيت فينانس»، استثمارا خاصا وتمويلا للمشاريع وخبرة في إدارة الامتيازات لتلبية احتياجات عملائها في المملكة المتحدة وكندا والشرق الأوسط.

إن شركة «كاريليون» مهتمة بتعزيز الشراكة بين القطاعين العام والخاص في المملكة العربية السعودية، وتعتقد أنها وسيلة مؤكدة النتائج لضمان تسليم المشاريع الحكومية المعقدة في الجداول الزمنية المحددة ووفقا للميزانيات المتاحة. ويرجع هذا إلى أنه في ظل الشراكة بين القطاعين العام والخاص، يصبح القطاع الخاص موضع مساءلة مالية عن تنفيذ المشاريع بنجاح في الموعد المحدد وبما يتوافق والميزانية المتاحة، وأيضا عن إتمام العمليات طويلة الأجل وأعمال الصيانة بنجاح. واستعدادا للزيارة، قال إيان ميلر: «الاستعانة بشركاء من القطاع الخاص لتمويل وتصميم وبناء وتشغيل وصيانة مشاريع في المملكة العربية السعودية، سوف يمنح الحكومة إمكانات إضافية لتحقيق خططها التطويرية الطموحة». ويشير أيضا إلى أن مشاريع الشراكة بين القطاعين العام والخاص معدة بشكل مثالي لتوفير فرص توظيف طويلة الأجل للمواطنين السعوديين.

ويتطلع الوفد البريطاني لفترة ازدهار اقتصادي داخل المملكة يحقق النفع للطرفين البريطاني والسعودي.

* رئيس مجلس إدارة «ألترا كابيتال» وأستاذ زائر بكلية إدارة الأعمال بجامعة لندن ميتروبوليتان