كيف نعثر على رئيس للبنك الدولي؟

TT

مرة أخرى. يتجه المسؤولون إلى التأكيد على أهمية الالتزام بالشفافية والنزاهة والجدارة في اختيار رئيس مؤسسة دولية مؤثرة، ألا وهي البنك الدولي، لكن يحدث هذا إلى أن يتعلق الأمر بمنصب حكر على دولتهم، حيث يعودون فورا إلى العقلية التي ترى أنهم أحق بهذا المنصب، وفي معرض هذا يسخرون من طرحهم. كان هذا يمثل الطريقة التي يتم بها اختيار رؤساء البنك الدولي وصندوق النقد الدولي، وهما أهم مؤسستين تضم أكثر من 180 دولة.

وطبقا لتقليد يعود إلى بداية إنشاء المؤسستين منذ نحو 70 عاما، يجب أن يكون رئيس البنك الدولي أميركيا، بينما يتولى أوروبي رئاسة صندوق النقد الدولي. كان هناك اتفاق على الأقل لعشرة أعوام على عدم صلاحية هذا الترتيب الإقطاعي. إنه يتوافق مع عصر مضى ولم يعد متسقا مع قواعد ومبادئ النظام الذي يقوم على احترام المؤهلات والمنافسة والشفافية وهي القيم التي تفتخر بها كل من أميركا وأوروبا. مع ذلك عندما يزداد الضغط لا يرغب أي منهما في الالتزام بما يريدانه للآخرين في مختلف أرجاء المعمورة. منذ عام تقريبا عندما أقيل دومينيك ستروس - كان، الذي كان يتولى منصب صندوق النقد الدولي آنذاك، فجأة، لم يجد قادة الدول الأوروبية غضاضة في معارضة نظام مفتوح قائم على الجدارة في اختيار خليفته. كانت جرأتهم أمرا واضحا، ورغبتهم في تجاهل المواقف الدولية فظيعة، مما دفع المسؤولين الأميركيين إلى التعبير عن عدم ارتياحهم وتحفظاتهم تجاه العملية سرا وعلانية.

من المفارقة أن تقوم الولايات المتحدة حاليا بهذا الأمر، حيث سارعت الولايات المتحدة بعد فترة قصيرة من الإعلان يوم الثلاثاء عن تنحي رئيس البنك الدولي، روبرت زوليك، نهاية يونيو (حزيران) إلى التأكيد على ضرورة أن يخلفه شخص أميركي لضمان استمرار القيادة القوية الفاعلة لهذه المؤسسة الهامة. وكما هو متوقع أثارت هذه الإشارة للرغبة في العرقلة وإخراج العملية الصحيحة عن مسارها ردود فعل سلبية من قبل الكثير من الدول الأخرى، ومنها الصين والبرازيل والمكسيك. وعليك ألا تسيء فهمي، فلتولي أميركي هذا المنصب قيمة كبيرة، فدولتنا تمتلك أكبر حصة من البنك الدولي وتعد الممول الأساسي له. كذلك لدينا عدد من المرشحين البارزين، لكن من أجل ضمان شرعية رئاسة البنك، تعد طريقة إدارة واشنطن لهذا الأمر بأهمية توازي أهمية دفع الأطراف الأخرى نحو هذا التوجه. في عالم الاقتصاد العالمي اليوم، لا يوجد تبرير لـ«احتكار» دولة بعينها رئاسة مؤسسات تمول من قبل دافعي الضرائب في مختلف أنحاء العالم، حيث لا يعد هذا عنصريا وحسب، بل أيضا يقلل من شأن العثور على شخص يمكنه أداء هذه الوظيفة على أحسن وجه استنادا إلى مؤهلاته وخبرته ومواقفه وتجاربه.

بدلا من محاولة عرقلة عملية اختيار حقيقية مثلما فعل الأوروبيون العام الماضي، ينبغي على الولايات المتحدة أن تقدم نموذجا يقتدى به، ولم يفت أوان ذلك بعد. وينبغي على المسؤولين الأميركيين:

- اتخاذ زمام المبادرة في التوصل إلى اتفاق دولي عالمي بشأن عملية تفصيلية شفافة يمكن أن تبدأ بتحديد متطلبات وظيفة رئاسة البنك الدولي.

- تحديد فترة الترشيح التي يفتح خلالها باب الترشح للمرشحين من كل الدول الأعضاء، ويتم التصدي خلالها للقيام بأي حملة انتخابية سياسية.

- ضمان تمتع كل المرشحين بالاهتمام الكافي الشامل بما في ذلك النظر في المراجع وأي ممارسات أخرى مقبولة في إطار عملية التقييم المناسبة.

- إجراء انتخابات حرة نزيهة يشارك فيها 25 مديرا تنفيذيا من أعضاء مجلس إدارة البنك الدولي حاليا.

وأشك أن يتمكن أميركي من الفوز بهذا المنصب في إطار عملية تنافسية شفافة تقوم على الجدارة والاستحقاق بالنظر إلى المتطلبات الوظيفية الكبيرة.

وبهذا يكون هذا الشخص قد اكتسب الشرعية اللازمة لقيادة هذه المؤسسة نحو تحقيق أهدافها الرئيسية عوضا عن مباركته بطريقة تذكرنا بالإقطاع. وينبغي ألا تضيع أميركا فرصة اتخاذ هذه المبادرة الضرورية لنزاهة نظام متعدد الجنسيات، وهو ما من شأنه أن يصب في صالح الاقتصاد العالمي. لقد آن أوان أن يتحرر كل من البنك الدولي وصندوق النقد الدولي من احتكار القوى الاستعمارية القديمة.

* الرئيس التنفيذي لشركة بيمكو

*خدمة «واشنطن بوست»