21 فبراير.. هل يتجاوز اليمنيون محنتهم؟

TT

يأمل الكثيرون أن يطوي اليمنيون مع غروب شمس 21 فبراير (شباط) صفحة من تاريخهم، قد تكون الأكثر دموية والأشد عنفا منذ الحرب الأهلية في الشمال (1962 - 1970) وأحداث 13 يناير (كانون الثاني) 1986 في الجنوب.

في 22 فبراير 2012 سيتولى رئاسة الدولة نائب الرئيس الحالي عبد ربه منصور هادي لفترة انتقالية مدتها عامان، بموجب المبادرة الخليجية وآليتها التنفيذية، ومباركة مجلس الأمن الدولي.

خلال عامي حكم الرئيس المقبل عبد ربه منصور هادي سيكون مطالبا ومعه الحكومة الانتقالية بإنجاز عدد من القضايا التي أقضت مضاجع اليمنيين لسنوات طويلة، وصار من المحتم طرحها للبحث والنقاش دون خطوط حمراء ولا محرمات ولا تخوين ولا اتهامات بالعمالة.

أولى هذه القضايا هي ما أصبح متعارفا عليه بأنها «القضية الجنوبية» التي بحت الأصوات منذ نهاية حرب صيف 94، لمعالجة آثارها وإيقاف تداعياتها.. لكن صنعاء العاصمة تجاهلتها بنفسية المنتصر المغرور، بل وعاقبت واستبعدت كل من حاول التنبيه إلى الخطر المحدق بوحدة اليمن.

كان المشهد في الجنوب يتحرك بصورة غاية في السرعة وانتقل الأنين والهمس إلى مراحل لم تعد المسكنات تجدي ولا محاولات الإرضاء ومساحيق التجميل قادرة على إيقاف هدير أبناء الجنوب ومناداتهم باستعادة كيانهم السابق. كان من المحزن أن كثيرين في قمة السلطة ينكرون جدية الموقف ويستهينون بعناصر الأزمة. كان التعامل الأمني في البداية هو عنوان الحل لدى صانعي القرار في صنعاء (جنوبيون وشماليون على حد سواء).. ثم استنبط عقل صنعاء العاصمة أن المال هو المفتاح السحري، وهنا أثرى كثيرون (جنوبيون وشماليون على حد سواء) من الخزائن التي فتحت أبوابها دون حسيب ولا رقيب. ولم تستطع صنعاء أن تسكت إلا قلة قنعت بأقل القليل من الرذاذ.

بلغ السيل الزبى وارتفعت الأصوات الجنوبية التي صار الانفصال أو ما يطلق عليه البعض «فك الارتباط» هو الحل لما يصفونه بالاحتلال الشمالي للجنوب.. وهذا في رأيي رد فعل شديد التطرف.

هذه هي أولى القضايا التي سيتناولها الحوار الوطني القادم مع اعتراف الجميع بصعوبة وربما استحالة العثور على ممثلين حقيقيين للنبض الجنوبي بشقيه المتطرف في مطالبه أو حتى الذي يرى إمكانية حل القضية الجنوبية بالحوار الهادئ.

القضية الثانية على طاولة الحوار ستكون «الحوثيين».

لم يعد خافيا أن هذه القضية ستكون عنوانا شائكا داخل أروقة الحوار. الحوثيون لم يعلنوا حتى الآن مطالبهم ولا مواقفهم الصريحة إزاء كافة القضايا المطروحة إلا عبر تصريحات متناثرة لعدد من قادتهم أو المتعاطفين معهم وصار قائدهم السيد عبد الملك الحوثي أشبه ما يكون بالإمام الغائب.

المثير في الأمر أن أطرافا كثيرة صارت تطلب ود الحوثيين وتعقد معهم صفقات يستبقون معها ما يمكن أن تكون عليه خريطة اليمن السياسية المستقبلية.. بل إن معلومات تتحدث عن تمدد للحوثيين في مناطق لم تكن يوما قريبة من تفكيرهم السياسي والمذهبي.

هنا تصبح الحوثية معرضة للانتقاد لأنها أضحت ممارسة لانتهازية سياسية كانت هي أول من اكتوى بنارها.. فهل يسمحون للآخرين بمحاورتهم والاقتراب من مناطق نفوذهم المسلح، أم أنهم سيصبحون كحزب الله في لبنان بعيدين عن سلطة الدولة!

ثالثة القضايا على طاولة الحوار هي شكل النظام السياسي الذي سيسود اليمن.

واقع الأمر أن هذه المسألة ستكون شديدة الارتباط بالقضية الجنوبية ومآلاتها والعجيب هنا أن كل الأصوات التي انتقدت دعوات الفيدرالية في عام 93، والتي أطلقها في حينه الأستاذ سالم صالح محمد، اكتشفت الآن أن تلك الدعوة كانت مخرجا آمنا للمحنة التي عصفت باليمن منذ حرب صيف 94.

كانت تلك الدعوة الصادقة تنادي بتقسيم اليمن إلى عدد من الأقاليم وهي ما كانت اتفاقية العهد والاتفاق، التي خونتها صنعاء العاصمة (بقياداتها الشمالية والجنوبية) قد نصت عليه.. واليوم وبعد 18 عاما اقتنع أغلب من أثار الغبار عليها بأنها المخرج العاقل والممكن لدعوات الانفصال.

هناك عدد آخر من القضايا التي لا بد أن تثير نقاشا ساخنا مثل إعادة صياغة الدستور وشكل رئاسة الدولة وصلاحياتها والفصل الواضح بين السلطات، وكذا الحريات العامة والشخصية.. كلها قضايا لا بد أن تكون مدخلا ليمن جديد قولا وفعلا.. وهناك قبل هذا وذاك أمر شديد الأهمية وهو تجاوز الجراح واللجوء إلى صيغة للمصالحة الوطنية تغلق كل ملفات الصراعات الداخلية في اليمن منذ سبتمبر (أيلول) 1962.

من المفيد هنا أن أشير إلى أنها المرة الأولى في تاريخ اليمن الحديث التي تنتقل فيها مراكز الثقل السياسي بعيدا عن المركز المقدس - صنعاء العاصمة، وهو ما قد يثير حفيظة بعض من ينكرون أن التركيبة السكانية والاجتماعية الجديدة قد أفرزت مزاجا جديدا يدعو إلى الشراكة الوطنية الحقة بعيدا عن الموروث التاريخي الذي لم يعد من المقبول أن يكون حكما في مجريات تسيير اليمن الجديد.

الحوار الوطني برعاية الرئيس الجديد هو المدخل الصحيح لفكفكة الأزمات اليمنية وإنقاذ اليمن من التفكك، شريطة أن تشارك فيه كل فئات المجتمع اليمني دون احتكار حزبي أو محاولات استبعاد فهو - أي الرئيس الجديد - يحظى بدعم إقليمي ودولي غير مسبوق وصار اليمن تحت رقابة دولية صارمة، وعليه فإنه سيتحمل مسؤولية كبيرة تستدعي أن يعمل بحزم لرأب الصدع الذي أحدثته الأشهر الخمسة عشر الماضية وأن يسعى لاستعادة الهدوء النفسي للمجتمع اليمني الذي تمزق شيعا وأحزابا وصار يعاني من أزمات خانقة كثيرة دمرت جل قيمه وباعدت بين أبنائه.

* سياسي يمني