خيارات طارق الهاشمي

TT

من خلال مجريات الأمور التي تلت ما يمكن تسميته لجوء الهاشمي إلى كردستان، كان المشهد العراقي أكثر تعقيدا من خلال محاولة بعض القوى السياسية جر البلد والنسيج الاجتماعي العراقي لحرب طائفية جديدة، ومحاولة إضفاء الطائفية على ما يجري في البلد حتى وإن تعلق الأمر بالقضاء العراقي، ولا ننكر نحن كعراقيين أن البلد فيه طائفية من خلال بناء الدولة وفق مبدأ المحاصصة الطائفية ومنح المناصب وفق هذه الصيغة.

والجميع في العراق أخذ موقعه على هذا الأساس، ولا نكتم أيضا أن المحاصصة مرغوبة من قبل القوى السياسية لأنها أصلا حققت لها مناصب ما كانت لتصل إليها لولا هذا التوازن الطائفي المقيت.

وأحد هؤلاء الذين تسلموا موقعا سياديا هو نائب رئيس الجمهورية طارق الهاشمي، ويرى البعض في الشارع العراقي أن الرجل أخطأ بحق العراقيين كشعب من خلال رفضه المثول أمام القضاء العراقي الذي هو أحد صناع وبناة الدولة العراقية الجديدة، خاصة أنه منذ عام 2006 وهو يشغل منصب نائب الرئيس، وقبل ذلك عندما كان أمينا عاما للحزب الإسلامي العراقي حث على التصويت على دستور عام 2005، وبالتالي فإن الرجل أسهم بشكل كبير جدا في مجمل المشهد السياسي في العراق، وقبل هذا وذاك أسهم مرتين في أن يشغل السيد نوري المالكي منصب رئيس الوزراء في العراق، أي أن الهاشمي كان من المؤمنين بالعراق الجديد وإلا لما أسهم كل هذه الإسهامات. لكن البعض يسأل: لماذا لا يمتثل للقضاء العراقي إن كان متأكدا من البراءة وأن ما قيل مجرد تهم وتسقيط سياسي ليس إلا؟

ما يدعوني ويدعو الآخرين لأن يطرح هذا الحديث مجددا هو بروز قضية الهاشمي كعقبة كبيرة جدا أمام انعقاد المؤتمر الوطني العراقي، فعملية إدراجها من قبل القائمة العراقية في ورقتها المقدمة للمؤتمر تعد أمرا مرفوضا من قبل التحالف الشيعي، لكونها قضية تتعلق بالقضاء، وبالتالي لا يمكن إيجاد توافقات سياسية حولها، لأن التوافقات هنا تعني أن أحد الأطراف كان يكذب، خاصة أن التوافق المقصود يتمثل في إيجاد مخرج للهاشمي وللقضاء العراقي أيضا، وهذا يعني أن القضاء سيعترف بأنه خاضع للسياسيين ويفقد مصداقيته أمام الشعب العراقي من جهة، ومن جهة ثانية وهي الأكثر أهمية للقوى السياسية، أنه سيسقط شعبيا إذا ما توافق على إزالة التهم عن الهاشمي وأفراد حمايته.

إذن ما هي الحلول المطلوبة؟ تبدو كل الحلول مرهونة بمسارين فقط، الأول يتعلق بعدم إدراج قضية الهاشمي في المؤتمر الوطني وتقديم مرشح من القائمة نفسها بديلا عنه، واختفاء الرجل وتواريه كما حدث مع غيره من الذين يطالب بهم القضاء العراقي، بل إن بعضهم محكوم عليه بالسجن وهو هارب خارج العراق، وفي مقدمتهم أيهم السامرائي المتهم بسرقة 7 مليارات دولار وهو يقيم الآن في أميركا بحكم جنسيته.

وهذا الحل يبدو مطروحا في الحوارات الخاصة والمحدودة خاصة أن إمكانية رجوع الهاشمي إلى منصبه تتوقف بالأساس على مدى مثوله أمام القضاء، فلا يمكن أن تكون التوافقات السياسية هي الحل لعودته لممارسة عمله كنائب لرئيس الجمهورية ما لم يكن هنالك قرار قضائي ببراءة الرجل، ولا يمكن في الوقت نفسه أن يمارس عمله من إقليم كردستان. ولا يمكن أيضا للقائمة العراقية أن ترهن مستقبلها السياسي بشخص طارق الهاشمي، وهذا ما جعلها تنهي تعليقها لجلسات البرلمان ومجلس الوزراء لأنها أدركت بشكل جازم أن قضية الدفاع عن الهاشمي سياسيا خاسرة لها كقائمة بدأت تفقد بعض بريقها.

والمسار الثاني يتمثل في تسليمه نفسه للقضاء والدفاع عن التهم الموجهة له ولحمايته، وهذا الدور مناط بالتحالف الكردستاني الذي عليه إقناعه به، لأن مسألة إبقاء الحالة كما هي تبدو غير صحيحة وغير ناجحة، وتؤثر على العلاقات بين القوى السياسية، خاصة أن قضية الهاشمي ينظر لها البعض على أنها محل مساومة كما راج قبل أسابيع ما بين التحالف الكردي والقائمة العراقية من جهة، وما بين الأكراد والشيعة من جهة ثانية، لكن في كل الأحوال فإن الشارع العراقي يجد أن قضية الهاشمي هي الشعرة التي ستقصم ظهر الجميع.