بلا منازع هو أقدم شارع في العالم يحكي تاريخ مصر خلال ألف عام. بدأ مع بناء القاهرة الفاطمية وشهد عمائر كل خلفائها وأثرياء مصر من قادة وتجار، لم تنقطع عنه مواكب الخلفاء في المناسبات الدينية والأعياد والاحتفالات الخاصة بالبيت الفاطمي وقد تفننوا في تزيين هذه المواكب حتى صارت من الأساطير التي يتحاكى الناس بها وبلغ من بذخها وفخامتها أن الدنانير الذهبية كانت تنثر على العامة المصطفين على جانبي شارع المعز لمشاهدة مواكب الخليفة. وقد شهد الشارع كذلك مواكب الكسوة الشريفة أو ما يعرف بالمحمل قبل خروجها في طريقها إلى مكة المشرفة لتوضع على أطهر وأجل بيت على الأرض - بيت الله الحرام -
ملحمة عمل رائعة كان يقودها فاروق حسني - وزير ثقافة مصر الأسبق - لترميم وعودة شارع المعز إلى ما كان عليه من بهاء وروعة وقد استمر العمل سنوات طويلة لعلاج مشكلات الشارع الأعظم من صرف صحي ومياه شرب وإنارة وترميم عمائره وتخفيض منسوب ارتفاع أرضية الشارع وتحويله في النهاية إلى شارع للمشاة فقط، ومنع كافة المركبات والعربات من المرور به. وبدأ الحلم يتحقق ونرى معجزة معمارية وحضارية تتحقق على أرض الواقع.
ويوم انتهاء العمل في الشارع وترميم أكثر من 33 أثرا إسلاميا لا مثيل لها. قلت إننا الآن كرجال آثار نستحق أن يطلق علينا حراس التراث وحماة الحضارة؛ الجميع كان يعمل بقلب وعقل واحد - الأثري والمرمم والمعماري والعامل البسيط - وقد نقلت حوادث وأحداث جرت أثناء العمل بـ«المعز» كلها تشير إلى المعدن الأصيل للمصري.
انظر الآن إلى شارع المعز وقد أغرقته المياه وقلبي يعتصره الألم لضياع الحلم والمجهود الذي بذل. أرجوكم لا تظلموا الأثريين فماذا يفعلون وقد احتل الخارجون عن القانون أو من نطلق عليهم «البلطجية» الشارع واستباحوه بعرباتهم وبضائعهم الرخيصة وأهملت صيانة مرافق الشارع على مدار عام كامل مضى.. ماذا يفعل الأثريون وهل هم معنيون بمواجهة البلطجية أم أنه دور الأمن والحكومة أن تفرض القانون وتنفذه على الكبير والصغير حتى تعود مصر بلد الأمن والأمان؟ هل هو دور الأثري مراقبة مواسير الصرف الصحي أسفل الشارع أم أنه دور هيئة كاملة بأجهزتها تسمى هيئة الصرف الصحي؟
المعز ليس «اسما» لشارع فقط ولكنه عنوان على جزء من تاريخ مصر.
يؤدي «المعز» إلى خان الخليلي ويتفرع منه حارات وعطوف عاش فيها المقريزي وولد بها نجيب محفوظ الذي جسد حياة البسطاء وحكى تاريخ الشوارع والحارات في أدبه وجعل حي الجمالية بأكمله حيا عالميا يقرأ عنه القاصي والداني..
أنقذوا شارع المعز قبل فوات الأوان.