الثورة المسلحة فالانتفاضة السلمية فالإصلاحية الملكية

TT

بدأنا مسيرتنا السياسية بالإيمان بالثورة المسلحة التي أدت إلى الانقلابات وحكم العساكر. ندمنا على ذلك فتخلينا عن شعار السلاح. انتقلنا إلى الانتفاضات السلمية التي أفضت إلى الربيع العربي. بيد أن من قاموا بانتفاضتهم، الشباب المثقف العلماني، وجدوا الإسلاميين قد خطفوها. هكذا كتبت الـ«نيو ستيتسمان» في عددها الأخير. ربما يشعر شباب ميدان التحرير الآن بالندم، أو على الأقل بالأسى. لا بد أن يفكروا ويعيدوا التفكير ويتساءلوا، ما العمل؟

في الوقت الذي يدعو فيه كثير من العراقيين الآن لتنحي المالكي من الحكم، فاجأتهم بدعوتي للبقاء عليه عندما قلت: ليس من الصواب التخلص من القبطان والسفينة في عرض البحار. كان قولي هذا يمثل ما أصبحت أومن به، وهو بدلا من المطالبة بتغيير الحكام تنبغي المطالبة بتغيير السياسة، أي الإصلاح. لقد أثبت تغيير الحكام فشله، فلم تتغير الأحوال، بل ربما ساءت، كما حصل في العراق منذ إسقاط النظام الملكي.

تغيير السياسة يعني الإصلاح. وهذا لا يعني بالضرورة إسقاط النظام أو الحكام. معظم الحكام لا يهمهم شيء أكثر من الاحتفاظ بكراسيهم. وعندما يشعرون بأن الشعب يطالبهم بإصلاح عادل ومعقول فإنهم سيستجيبون للطلب بدلا من تعريض مناصبهم للسقوط. وهذا يتطلب من المعارضة التعامل مع الموضوع بحكمة وباستراتيجية مدروسة بإحكام. عليها قبل كل شيء أن تتذكر المثل اللاتيني: روما لم تبن في يوم واحد.

مشاكلنا عويصة ومعقدة وعميقة. لا يمكن حلها بين عشية وضحاها. علينا أن نتناولها واحدة واحدة، ونعالجها خطوة خطوة. وسيلمسون هنا أن النظام الملكي بالنسبة لنا خير مظلة لهذه الاستراتيجية. فهو يضمن أولا الاستقرار، العنصر الأساسي لمعالجة البطالة وتوفير الأمن، ويجعل تغيير السياسة ممكنا ويسيرا وشرعيا بتغيير الحكومة، إقالة الوزارة القائمة وتكليف غيرها من الحريصين على التغيير. لقد شهدنا مثل هذه المسيرة طوال الحكم الملكي في العراق. علينا أن نتذكر أنه حتى الحزب الشيوعي العراقي لم يطالب قط بتغيير النظام أو إسقاط الملك. هذا شيء فعله العسكر. وفي عدة مرافق استجاب البلاط لضغوط الشعب، كإرسال الجيش لفلسطين وإلغاء معاهدة بورتسموث وحل البرلمان وإجراء انتخابات جديدة.

على المعارضة أن تثبت أولا حكمة هذا التغيير، وتقنع النظام بجدواه وأهميته. ليس ذلك فقط، بل عليها أيضا أن تثبت ذلك للشعب، وهو أخطر وأصعب. خير مثال لذلك تنظيم النسل في مصر. وعندما يتم ذلك، تنتقل لمرحلة تعبئة الرأي العام لجهاد مدني سلمي، يضغط على السلطة ويقنعها بشعبية المطلب، دون زعزعة الاستقرار أو الإخلال بالأمن أو المطالبة بإسقاط النظام.

العنصر الأساسي للجهاد المدني السلمي وتبني استراتيجية وطنية واعية وناضجة وجود صحافة مستقلة وقوية تكشف الأخطاء وتضع الدواء وتفضح التجاوزات والسرقات. إذا كان هناك من مطلب ينبغي الانتفاض من أجله، فهو حرية الصحافة. وعندما تشعر السلطة بإخلاص المعارضة واحترامها للنظام وشرعيته واستقراره بإصلاح عيوبه وإخفاقاته، فستجد من مصلحتها حماية حرية وشرعية الصحافة.