لماذا علينا التأمل بأنتوني شديد؟

TT

«أشعر ألا أحد يقول الحقيقة، علينا أن نأتي بالتفاصيل».

كتب أنتوني شديد هذه الكلمات لزملائه في غرفة تحرير «نيويورك تايمز» وتوجه إلى سوريا، مستعينا بمهربين، لتقضي عليه هناك نوبة ربو وهو يحاول العودة عبر الحدود. لكنها لم تكن الرحلة الأولى لأنتوني شديد إلى سوريا، فقد كان، قبل أشهر قليلة، قد أمضى أياما في حمص، ناقلا قصص سكانها المحاصرين.

ما الذي دفع بأنتوني شديد إلى المغامرة وتهديد سلامته واستقرار عائلته الصغيرة وهو من سبق أن اعتُقل في ليبيا العام الماضي وأصيب بالرصاص في رام الله وتعرض للكثير من المخاطر قبلا؟

إنها سوريا التي باتت من أصعب المهام التي يمكن أن تواجه الصحافة بعد استمرار رفض النظام السماح للصحافيين بالتحرك فيها بحرية، مما دفع بهؤلاء إلى الاحتيال والتسلل تهريبا لتغطية الأحداث. أنتوني شديد كان يسخر من اعتماد الإعلام على مصادر غير مباشرة للمعلومات، معتبرا أنها «مراسلة التحكم عن بعد» فكان من ضمن مجموعة صحافيين غربيين قرروا أن المنع والحظر والخطر ليست أسبابا كافية لعدم توجه الصحافي إلى مكان الحدث.

أنتوني شديد هو الصحافي الغربي الثاني الذي يسقط في سوريا بعد الفرنسي جيل جاكييه.. لم تمض أيام على مصرع شديد حتى قتل بالأمس فقط الأميركية ماري كوليفين والفرنسي ريمي أوتليك جراء القصف على حمص.

في الأشهر الأخيرة للثورة شهدنا كيف تمكن مراسلون من شبكات عالمية مثل «BBC» و«CNN» و«ABC» و«الجزيرة» الإنجليزية و«ARTE» وقنوات وصحف عالمية من التسلل ورواية الحدث السوري.

صحيح أنه ومنذ بداية الثورة السورية وبعد أن فرض النظام طوقا محكما، جهد السوريون لإطلاع العالم على حكايتهم من خلال تحميل لقطات فيديو تصور العنف في سوريا عبر «يوتيوب»، لكن الاكتفاء بهذا الأمر ليس أمرا مقبولا ولا مهنيا.

ونحن نتابع تقارير وأفلاما وثائقية من مراسلين محترفين غربيين نغفل كم بتنا نتابع الحدث السوري عبر مراسلين غربيين، بينما الإعلام العربي يكتفي بصورة مباشرة عبر «سكايب» أو برسائل لمواطنين صحافيين على أهميتها، لكنها لم تعد كافية، ولم تعد مقبولة في ظل تمكن الصحافة الغربية من تقديم الحدث السوري من الداخل.

لماذا شعر أنتوني شديد أن عليه المخاطرة لرواية الخبر السوري؟ ولماذا وافقت صحيفته على ذلك؟

الحقيقة أن الإمعان في جلد النفس عبر لوم وسائل إعلامنا في الامتناع عن التوجه إلى سوريا على نحو ما فعل مراسلون غربيون صحيح، لكنه لم يعد كافيا لتفسير هذا القصور.

فأنتوني شديد لم يستجِب، في ذهابه إلى سوريا، إلى طلب من إدارة التحرير في «نيويورك تايمز». توجَّه إلى هناك مدفوعا بهمين وهاجسين، الأول: شعوره بأن القصة يجب أن تكتب من هناك، والثاني: أن قراءه لن يقبلوا أن يكتب قصة سوريا من خارجها. وهنا تبدو «نيويورك تايمز»، كإدارة، جسرا بين الهاجسين، تؤمن لمراسلها ما يمكن لها أن تؤمنه وتنشر له ما يكتبه من دون أدنى رقابة.

في إعلامنا العربي لا تتوافر معظم هذه العناصر. إرادة إدارات وسائل الإعلام والهاجس المهني والأخلاقي وتطلب المستهلكين من قراء ومشاهدين ومستمعين ليست عناصر دفع بهذا الاتجاه.

ألا ينبغي لنا أن نتأمل أكثر في حكاية انتوني شديد وبماري كولفين وريمي أوتليك؟