هل تؤثر مشكلات أوروبا الاقتصادية على الشرق الأوسط وشمال أفريقيا؟

TT

إزاء التقارير اليومية التي تتناول المشكلات الاقتصادية في أوروبا، والاجتماعات رفيعة المستوى التي تعقد لحلها، يتساءل الناس في العالم العربي عن إمكانية انتقال هذه المشكلات إلى منطقتهم ومدى تأثيرها على آفاق الاقتصاد فيها. والإجابة المختصرة هي أن التباطؤ الاقتصادي في أوروبا بدأ يتسبب بالفعل في إضعاف النشاط الاقتصادي في عدد من بلدان الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، ومن المرجح أن تستمر هذه الضغوط الخافضة للنشاط طوال السنة القادمة على أقل تقدير. غير أن درجة التأثر بهذه الضغوط تختلف اختلافا كبيرا من بلد إلى آخر، بل إن تطور عملية التحول السياسي والاقتصادي في كثير منها سيكون أكبر أثرا على آفاقها الاقتصادية في السنة القادمة.

وفي عالم اليوم الذي يمثل الترابط سمة مميزة له، هناك قنوات كثيرة لنقل أثر التغيرات الاقتصادية من منطقة إلى أخرى أو إلى بلد آخر. ومن هذه القنوات تلك الروابط بين البنوك والأسواق المالية - وهي قناة يمكن أن يكون تأثيرها سريعا ومربكا. ولحسن الحظ أن هذا النوع من التداعيات المالية سيكون محدودا للغاية، على الأرجح، في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، فالأجهزة المصرفية في المنطقة بوجه عام تعتمد على المصادر المحلية في الحصول على التمويل، ولا تعتمد كثيرا على الاقتراض من البنوك الأوروبية، وإن كان بعضها معرضا للمخاطر من خلال ودائعه في أوروبا.

وبالطبع، لم تكن الاضطرابات في الأسواق المالية عاملا إيجابيا. فمصاعب الديون السيادية التي واجهت منطقة اليورو ساهمت في اتساع فروق التأمين على مبادلات المخاطر السيادية والائتمانية عبر بلدان المنطقة، ويعني هذا ارتفاع تكاليف الاقتراض بالنسبة لبلدان المنطقة التي قد تحتاج إلى التمويل من أسواق رأس المال في السنة القادمة، ولكن المرجح على وجه الإجمال أن تظل انعكاسات الروابط بين القطاعات المالية في حدود يمكن التعامل معها.

وفي المقابل، بدأ تباطؤ النمو في منطقة اليورو يزداد تأثيرا على المنطقة من خلال قنوات أخرى. فهناك عدد من البلدان المستوردة للنفط في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، وخاصة في المغرب العربي، تعتمد اعتمادا كبيرا على أوروبا كسوق للصادرات والسياحة وتحويلات العاملين بالخارج والاستثمار الأجنبي المباشر. وهناك نحو 60% من صادرات المغرب العربي تذهب إلى أوروبا، كما تشكل أوروبا مصدرا لنسبة تتراوح بين 80 و90% من إيرادات السياحة المغاربية ونحو 80% من مجموع استثمارها المباشر. ويلاحظ أن المغرب وتونس على وجه الخصوص يعتمدان على أوروبا في أكثر من 80% مما يدخل إليهما من تحويلات العاملين في الخارج. ومع إجراءات التقشف التي تتخذها مؤسسات الأعمال والأسر الأوروبية، ينتقل التأثير سريعا إلى البلدان الأخرى، كما بدأ التباطؤ في تدفقات الاستثمار والصادرات إلى أوروبا. غير أن تحويلات العاملين المغاربة في أوروبا لا تزال متماسكة حتى الآن، نظرا للأولوية التي تعطى للالتزامات العائلية رغم انخفاض دخل العاملين.

ويلاحظ أن الارتباط بأوروبا أقل في البلدان الأخرى المستوردة للنفط في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، وبالتالي فهي أقل تأثرا بمشكلاتها الاقتصادية. ففي الأردن، على سبيل المثال، تبلغ الصادرات إلى أوروبا نحو 4% فقط من الصادرات الكلية، كما أن عدد المغتربين الأردنيين الذين يعملون في دول مجلس التعاون الخليجي أكبر بكثير من العاملين في أوروبا. ولكن المتوقع على وجه العموم، ولأسباب منها الظروف الخارجية الصعبة وزيادة عدم اليقين على المستوى المحلي، هو أن يظل النمو ثابتا في بلدان المنطقة المستوردة للنفط (باستثناء سوريا) عند مستوى 2% تقريبا في عام 2012. ويمثل هذا مصدرا للقلق الشديد نظرا للحاجة إلى معدل نمو أعلى بكثير حتى يتسنى إيقاف الارتفاع في معدل البطالة بين الشباب، والذي يعد معدلا مرتفعا في الأصل.

أما اقتصادات البلدان المصدرة للنفط في المنطقة فتتأثر بزيادة عدم اليقين العالمي من خلال قناة رئيسية هي التأثير الواقع على الطلب العالمي على النفط وما يرتبط بذلك من أسعار. وبالنسبة لهذه البلدان، يعني التباطؤ المتوقع في الطلب العالمي على النفط أن معدلات نموها الاقتصادي الكلي سوف تنخفض، لكن كثيرا من هذه البلدان يمكنها استخدام احتياطياتها المتراكمة للحفاظ على الإنفاق الحكومي ومواصلة النمو.

ويأتي ضعف النشاط الاقتصادي في منطقة اليورو - والعالم ككل - في فترة مليئة بالتحديات بالنسبة لمنطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا. فقد بدأ الربيع العربي مرحلة تحول يتوقع أن تؤدي بمرور الوقت إلى معدلات نمو أعلى تتوزع ثمارها بشكل أفضل على مختلف فئات المجتمع وتؤدي إلى تخفيض معدلات البطالة التي بلغت مستويات مرتفعة غير مقبولة في المنطقة، لا سيما بين الشباب. غير أن كثيرا من البلدان لا تزال تعاني زيادة متصاعدة في المطالبات الاجتماعية، بالإضافة إلى مستويات البطالة المرتفعة والحيز المالي المحدود لمواجهة الضغوط الاقتصادية والاجتماعية الجديدة. وتتفاقم هذه التحديات في ظل بيئة اقتصادية دولية أقل إيجابية.

ولمواجهة هذه الفترة العصيبة، سيتعين على الحكومات تحقيق التوازن السليم بين الاستمرار في توفير الخدمات الاجتماعية المطلوبة مع الحفاظ على الاستقرار الاقتصادي الكلي ووضع الأساس لتحقيق انطلاقة سريعة في النمو بمجرد تحسن الأوضاع على المستوى العالمي. ويلتزم صندوق النقد الدولي، من جانبه، بدعم بلدان المنطقة حتى تتجاوز هذه التحديات وتتمكن من تحسين حياة الشعوب وآفاقها المتوقعة في هذه المنطقة.

* المدير الإقليمي لصندوق النقد الدولي في منطقة الشرق الأوسط وآسيا الوسطى