مكالمة غير عادية

TT

لم تكن المكالمة الهاتفية بين خادم الحرمين الشريفين والرئيس الروسي حول سوريا أول من أمس مكالمة غير عادية فحسب؛ بل أيضا تاريخية، ففحوى المكالمة التي جاءت إثر اتصال الرئيس الروسي بالملك السعودي، كانت بمثابة رسم خط واضح بين من يريد حماية قاتل السوريين، ومن يريد حماية السوريين أنفسهم.

فعندما يقول الملك عبد الله بن عبد العزيز معلقا على وجهة نظر الرئيس الروسي حيال الأوضاع في سوريا، إن «السعودية لا يمكن إطلاقا أن تتخلى عن موقفها الديني والأخلاقي تجاه الأحداث الجارية في سوريا»، فهذا يعني، وبكل وضوح، أن العاهل السعودي يقول للرئيس الروسي بأن مقاييسي غير مقاييسك، فمقاييس خادم الحرمين، وبلاده، هي الدين والأخلاق، واحترام المؤسسات الدولية التي كان من المفترض أن تتحرك لحماية المظلوم، وردع الظالم، وليس العكس. لذا، كان خادم الحرمين واضحا تماما وهو يقول لميدفيديف إنه «كان من الأولى للأصدقاء الروس أن يقوموا بتنسيق روسي - عربي قبل استعمال روسيا حق النقض (الفيتو) في مجلس الأمن.. أما الآن، فإن أي حوار حول ما يجري لا يجدي». فالواضح أن قصد الروس من الحوار الآن هو الالتفاف على مؤتمر أصدقاء سوريا الذي يعقد اليوم في تونس، وإلا لماذا لم تتحرك موسكو على هذا المستوى نفسه من قبل؟ بل لماذا لم يتحرك الروس في اليوم نفسه الذي هاتف فيه ميدفيديف خادم الحرمين وقالوا علنا بأن على طاغية دمشق وقف القتل ورفع الحصار عن حمص، بدلا من أن يطلبوا من السعوديين الحوار الآن؟ الإجابة واضحة؛ فروسيا تريد التشويش على مؤتمر أصدقاء سوريا.

لذا، فإن ما قاله الملك عبد الله بن عبد العزيز لميدفيديف يعد موقفا تاريخيا غير مستغرب من خادم الحرمين الشريفين الذي سبق أن فعلها مع عدة رؤساء أميركيين من قبل نصرة للدم الفلسطيني.. فالملك عبد الله هو الذي قال لبوش الابن تفضل وشاهد هذه الأشرطة ما دام أنك لا تشاهد التلفاز لتعرف ما الذي يجري للفلسطينيين. وهو الذي أرسل خطابا لبوش يهدد بما يصل إلى قطع العلاقات السعودية - الأميركية إن لم تفعل واشنطن شيئا لحماية الفلسطينيين. والملك عبد الله هو الذي قال للرئيس الأميركي الأسبق كلينتون بأن «للصداقة حدودا يا فخامة الرئيس»، وذلك عندما أراد كلينتون من الملك موقفا إيجابيا تجاه القيادة الإسرائيلية. والملك عبد الله هو من وقف حماية لسوريا بعد اغتيال الحريري، رغم فداحة المصاب، وهو من قال في القمة العربية بالرياض إن الجيش الأميركي في العراق هو جيش احتلال.. بينما روسيا هي من وافقت أول من أمس على هدنة لمدة ساعتين في سوريا من أجل تمرير المساعدات الإنسانية للسوريين العزل، أي إن روسيا تقول للأسد: اقتل شعبك 22 ساعة، وتوقف عن قتلهم فقط ساعتين!

ومن هنا يظهر الفارق بين مقاييس خادم الحرمين الشريفين، ومقاييس من يريد حماية قاتل الأطفال في سوريا.. ولذا، فإنها مكالمة تاريخية، وغير عادية.

[email protected]