الهجوم على «سوق» الجنادرية!

TT

هناك حالة «افتعال» وتشنج في المجتمعات العربية بعد هبوب رياح 2011، التي اقتلعت فيما اقتعلت، حكاما وقيما ومجتمعات...

عبأت المناخ بحرارة لاهبة، وهيجت النفوس ورشت القلق.

من مظاهر الافتعال، توتر الخطاب السياسي والديني العام، حسب مانرى في مصر وليبيا وتونس، حيث تخترع كل يوم أزمة دينية وسياسية واجتماعية.

وبما أن سكان السعودية هم جيران اللغة والثقافة والجغرافيا. فقد نقلت الرياح شيئا من هذه الاهواء.

لذلك كانت اجواء الافتعال حاضرة في المناخ السعودي لدى بعض المجاميع «الصحوية» التي شنت حملة شعواء على مهرجان الجنادرية السنوي، الذي يعقد هذه الأيام، وتحضره الجموع الغفيرة، بل الملايين حسب إفادة قائد معسكر الجنادرية اللواء عبد الرحمن الزامل.

لمن لايعرف، فالجنادرية مهرجان سنوي عمره 27 عاما، له جانب ثقافي وفني يهم المتابعين فقط، لكن جانبه الجماهيري هو «قرية» الجناردية الواقعة شرق الرياض، وهي قرية بنيت خصيصا لتكون منبرا لعرض التراث السعودي من مختلف مناطق السعودية، وكذلك لتعرض فيها الجهات الحكومية مالديها من رسائل او منجزات لعموم الجمهور. وايضا فيها عادة جناح خاص لدولة ضيفة، وهذه السنة كانت كوريا الجنوبية بجناحها الذي شهد إقبالا مثيرا من السعوديين.

الجنادرية ليست هذا وحسب، بل هي «سوق» بكل ماتعني الكلمة من معنى، سوق ينتظره كثير من الحرفيين وباعة المنتجات الوطنية والتراثية الخاصة، ويشهد حركة تداول لافتة، هناك سيدات مسنات يأتين من الأرياف والبوادي لعرض منتجاتهن الخاصة في «موسم» الجنادرية، وهؤلاء لايرون من الجنادرية إلا جانبها التسويقي فقط.

إننا نتحدث عن «سوق» بالمعنى العربي القديم، كسوق عكاظ وذي المجاز ومجنة ودومة الجندل والمربد والشحر وعدن وصحار، لاحظوا كيف كان العرب يوزعون اسواقهم على جغرافيا الجزيرة العربية كلها من شمالها إلى جنوبها، من واقع اسماء الاسواق التي ذكرت لكم.

الى عهد قريب كانت الأسواق، بالذات في شكلها الموسمي وليس الثابت، تعتبر قمة التلاقي بين سكان الجزيرة العربية، يتبادلون فيه المنتجات والسلع، وكذلك الخبرات والأخبار والفنون الشعرية.

هناك مدن كاملة نشأت على حس الاسواق، انظر في جنوب المملكة التي يلفت فيها توزيع المدن والاسواق على أيام الاسبوع: هناك مدن باسماء مثل: «سبت» العلاية، و«أحد» رفيدة، و«اثنين» ابن حموض، و«ثلوث» المنظر، و سوق «الاربعاء»، و«خميس» مشيط، وسوق «الجمعة» في بلاد رفيدة، في دلالة لافتة على النشاط التجاري والاجتماعي بالضرورة، طيلة الوقت. كانت هذه الاسواق او المدن تتمتع بحيوية تجارية واجتماعية يحضرها الجميع بلا تمييز، رجالا ونساء، ولها حصانة خاصة، بحيث أن من له ثأر عند شحض ما وشاهده صدفة بالسوق لايمسه بسوء، حسبما يحدثني المؤرخ السعودي المختص الدكتور محمد آل زلفة.

الجنادرية، ليست الا امتدادا مطورا ومكبرا لهذه العادات العربية القديمة، ومايفعله المتزمتون من «تعكير» وتوتير و«افتعال» مشكلات ليس الا شذوذا عن المتبع، وبحثا عن حاجة في نفس يعقوب.

البعض منا نعيش حالة من البحث الدائب عن اختراع الأزمات، وتضخيمها، والغرض ليس مانراه، بل مالانراه...

[email protected]