هل قام المستشفى.. بعمله جيدا؟

TT

لو اشترى أحدهم بضمانة البائع سيارة مستعملة على أنها صالحة للخدمة والتنقل، وبعد بضعة أيام تعطلت تماما عن العمل، وتطلب الأمر إدخالها لورشة التصليح، فإنه لا بد أن يعتري ذاك الشاري شعور بخيبة الأمل ما يدفعه للسؤال: لماذا غشني البائع؟ وسيقرر على «أضعف تقدير» أن يكتفي بإخبار معارفه عن الواقعة والمتسبب فيها كي لا يقعوا في نفس المشكلة.

نفس الشيء قد يحصل وبسيناريو مشابه في أوساط تقديم الرعاية الطبية، إذ ربما تعتري أحدهم حالة مرضية تتطلب ضرورة تلقي المعالجة في المستشفى، وبعد أن يُقرر الأطباء أن علاجه قد تم وأنه في حالة صحية تسمح بمتابعة علاجه في المنزل، يُغادر المريض المستشفى ويحتفل الأهل والأقارب بعودة العافية والصحة إليه. دعونا نتخيل لو أن حالة ذاك المريض بدأت تتدهور سريعا، واضطر إلى العودة إلى دخول المستشفى لأن حالته الصحية ساءت مجددا. ماذا نتوقع منه؟ ما تقوله لنا الإحصائيات الطبية، وللأسف الشديد، أن هذا السيناريو يقع، ويقع بكثرة، وفي مناطق واسعة من العالم، ما يُثير شكوكا مشروعة حول مدى جودة الخدمات الطبية والصحية التي يقدمها ذلك المستشفى لمرضاه.

والسؤال هنا: كيف نعرف أن مستشفى ما يقدم خدمات طبية وصحية جيدة للمرضى الذين يطرقون أبوابه للعلاج؟

بلا شك نحن في عالم لم يعد يعتمد اليوم على القصص والروايات وخبطات الإثارة الإعلامية، بل نحن في عالم يعتمد على الإحصائيات والمعلومات في تقييم الأداء.

ولدى بعض الدول، مثل الولايات المتحدة، ثمة موقع إلكتروني بعنوان «مقارنة المستشفيات» Hospital Compare، بإمكان أي شخص من خلاله معرفة الإجابة عن كثير من الأسئلة التي تهم المرء للمقارنة بين الأداء الطبي والرعاية الصحية التي تقدمها المستشفيات المختلفة، وأحد تلك العناصر للمقارنة هو معدل عودة اضطرار المريض للدخول إلى المستشفى خلال الـ30 يوما التالية لخروجه منها 30 days readmission rate.

ولأحدنا أن يسأل: لماذا «معدل إعادة الدخول» هو مؤشر جيد لإعطاء فكرة عن مستوى جودة الرعاية الطبية والصحية التي يقدمها المستشفى والعاملون فيه؟

ووفق نتائج الكثير من الدراسات الميدانية المقارنة، فإن انخفاض «معدلات إعادة الدخول» يعني بقوة عدة أمور، أولها أن ثمة رعاية طبية وصحية عالية الجودة تم تقديمها للمريض خلال إقامته في المستشفى، وأن الأطباء والممرضين قدموا له المعالجة الطبية اللازمة في الوقت الصحيح، وأن طريقة المعالجة كانت مبنية على أسس طبية مدعومة بالبراهين العلمية، وأنه تم التخطيط بعناية لإعداد المريض وتهيئته للخروج من المستشفى ومتابعة اهتمامه بحالته الصحية بشكل أفضل في المنزل، وأنه تم التنسيق مع المرافق الصحية القريبة من مكان إقامة المريض لمراقبة العناية به.

ولذا، فإن معرفة ما معدل عودة دخول المرضى إلى المستشفى، واضطرارهم للعودة إلى طرق أبواب مستشفى آخر لمعالجة المشكلة الأولى، هو وسيلة ذات معانٍ حقيقية في تقييم أداء المستشفيات لواجبات خدمة مرضاها، وأحد الطرق ذات الشفافية العالية في المعرفة.

والسؤال التالي: لماذا هذا الأمر مهم، إذ ربما المشكلة الصحية هي السبب؟

والواقع أن هناك عدة جوانب من الأهمية فيما يخص المرضى وفيما يخص ممولي تقديم الرعاية الطبية والصحية للمرضى. ومن ناحية المرضى، فإن الأمر جلي لا يحتاج إلى مزيد شرح، ولكن ارتفاع معدلات عودة دخول المرضى ذو تكلفة مادية باهظة على فاتورة الإنفاق المادي لتشغيل ذلك المستشفى ذي المستوى المنخفض في أداء خدمات رعاية المرضى طبيا وصحيا. وهذه النوعية المتدنية من المستشفيات تستنزف ماديا أكثر من تلك المستشفيات الأرقى في جودة خدماتها.

وقد وضعت برامج التطوير المستمر للجودة وسلامة المرضى معايير ذات مصداقية علمية وعملية عالية لتقييم مستوى نتائج تقديم الرعاية الطبية والصحية للمرضى والحفاظ على سلامتهم، ومن ثم وضعت معايير ذات مصداقية علمية وعملية في كيفية رفع جودة مستوى العمل اليومي للأطباء والصيادلة والممرضين من أجل تقديم الرعاية الطبية والصحية للمرضى والحفاظ على سلامتهم.

وحصول مستشفى ما على شهادات اعتماد دولية أو محلية هو بداية الطريق في مشوار طويل ومستمر للسعي نحو تحقيق تقديم رعاية طبية وصحية أفضل وتحقيق حفظ واستخدام الموارد البشرية والمادية بأفضل صفة ولأكبر عدد من المرضى.

* استشاري باطنية وقلب

مركز الأمير سلطان للقلب في الرياض

[email protected]