سوريا.. من التدخل الخارجي إلى التدخل العسكري

TT

لا يمكن فهم شدّة تصعيد النظام السوري لعملياته ضدّ شعبه وحجم دمويّتها المتزايد بعيداً عن الفيتو الروسي – الصيني في مجلس الأمن، ويمكن وضعها في سياق اختيار الأسد عن وعيٍ لأن لا يترك البلاد حتى يضمن قيام حربٍ أهليةٍ فيها.

إنّ حجم الجرائم المرتكبة في سوريا التي تصل حدّ المذابح والمجازر واستمرارها وتصاعدها إن في بابا عمرو وإن في درعا أوغيرها من المدن التي تجتاحها الآليات العسكرية وتتفنّن في إبادة أهلها لم يعد يترك مجالاً لكثيرٍ من قيادات العالم لأن تسكت عمّا يجري هناك، ومن هنا يمكن قراءة موقف الملك عبدالله بن عبدالعزيز الأخير تجاه روسيا وموقفها تجاه سوريا وقوله بصراحةٍ معهودةٍ منه للرئيس الروسي: «كان الأولى من الأصدقاء الروس أن قاموا بتنسيقٍ روسيٍ عربيٍ قبل استعمال حقّ النقض في مجلس الأمن، أمّا الآن فإن أيّ حوارٍ حول ما يجري لا يجدي». لقد فشلت روسيا في قراءة الموقف السعودي تجاه ما يجري في سوريا، وفشلت أكثر في استبيان مدى جدّيته، وإلا فإنّه موقف يسهل استقراؤه لمن تابع مواقف السعودية وتصريحات الملك عبدالله تحديداً ومعها سياسات ديبلوماسيته فقد قادت السعودية مع دول الخليج الموقف تجاه سوريا في الجامعة العربية وصولاً لمجلس الأمن، وموقف الملك عبدالله بن عبد العزيز القويّ يشير بصراحةٍ إلى أنّه كان على روسيا أن تحسب حساب مصالحها مع دول الخليج والدول العربية قبل أن تقدم على استخدام الفيتو. لقد دخلت روسيا عشّ دبابير المنطقة تفتّش عن العسل، إمّا عسل النظام السوري ومعه إيران وعراق نوري المالكي لا عراق العراقيين، وإما عسل من دول الخليج كانت ترتجي أن تحظى به حين تغالي في موقفها وتتصلب في قراراتها لتصل لاستخدام الفيتو، ثمّ تماطل بسياساتٍ وتصريحاتٍ ورؤى مهزوزةٍ يمكن بسهولة اكتشاف لا جدّيتها وسعيها لكسب الوقت لتتفاوض على طاولة الدمّ السوري وتحسب أرباحها وخسائرها بين الاستمرار في دعم نظامٍ يتهاوى أو رفع سعر تغيير الموقف عن طريق الابتزاز السياسي.

لا يعدّ موقف الملك عبدالله خروجاً للديبلوماسية السعودية عن هدوئها المعتاد إلا أنّ الوضع الخطير في سوريا لم يعد السكوت عليه ممكناً، فقد فاض الكيل وطفح الإناء، خاصةً حين يستحضر المتابع أنّ النظام الأسدي يتكالب مع إيران وأتباعها على قتل شعبٍ أعزلٍ بشتى أنواع الأسلحة التقليدية والمطوّرة، العادية والكيماوية، وتنقل وسائل الإعلام استخدام النظام لأنواعٍ من السلاح والغازات شديدة الفتك والخطورة، واستخدام وسائل شديدة الإيذاء لمعاقبة المواطنين.

لا أحسب إنّ هذا الموقف السياسي القوي من السعودية ومن الملك عبدالله يعني إقفال باب التفاوض مع روسيا بل هو سعيٌ لإعادة نقل المفاوضات إلى الطاولة السياسية بعيداً عن طاولة الدمّ السوري الذي يجب أن يتوقّف بأسرع وقتٍ ممكنٍ، كما يعني أنّه أصبح لزاماً أن يرى الروس موقفاً سعودياً وخليجياً ودولياً جاداً يقابل موقفهم في مجلس الأمن وما تلاه. إنّ مما يبدو أنّ القيادة الروسية لم تفهمه هو أنّ الموقف العربي تجاه سوريا وإن اختلفت دوافعه فهدفه واحدٌ هو وقف عنف النظام ورحيله، وهو موقف دول الاستقرار أكثر مما هو موقف دول الاحتجاجات، فلئن اختلف موقف مصر في دول الاحتجاجات عن موقف تونس وليبيا، فإن دول الاستقرار مجتمعةً وعلى رأسها دول الخليج لديها موقفٌ واضحٌ وجادٌ لم تعره الديبلوماسية الروسية ما يستحق في ظل مشهدٍ متغيّرٍ ومتجددٍ في الشرق الأوسط.

ومما لا تفهم القيادة الروسية أن لدى السعودية ودول الخليج والجامعة العربية ومناصري الشعب السوري الذين يمثّلون أغلبية دول العالم الكثير من الأوراق التي يستطيعون لعبها فوق الطاولة السياسية وتحتها وعلى كافة المستويات.

أما النظام الإيراني الداعم الأقوى في المنطقة لحليفه الأسدي فإن تصريحات مسئوليه تنضح بكل ما هو معادٍ للشعب السوري وداعمٍ للأسد ومن آخرها تصريحات مستشار المرشد الأعلى على أكبر ولايتي التي دافع فيها عن نظام الأسد وأكّد أنّه «لن يسقط»، واجتر خطاب المقاومة وخط المواجهة مع العدو الصهيوني و مفردات خطاب الممانعة الذي تعرّى في المنطقة العربية حين أكّد «أنّ إيران والعراق وحزب الله يدعمون سوريا بحزمٍ».

ولئن كان النظام الإيراني يمارس أحياناً شيئاً من الاستعراض مثلما جرى حين أعلن سابقاً عن إرساله لبوارج حربيةٍ لتكون بجوار الولايات المتحدة، وهو يتخيّل أنّه يمكن أن يصنع ما صنعته اليابان وأنّه قادرٌ قبل نهايته أن يصنع بيرل هاربر جديدة، أو أنّه يريد استخدامها للتسويق الداخلي، إلا أنّ بوارجه التي أرسلها لسوريا الأسبوع الماضي لا تحمل البعد الاستعراضي نفسه، فهي بوارج قادرةٌ على حمل أسلحةٍ وعتادٍ، ومدرّبين وجنودٍ، كما بإمكانها إخراج ما تريد من سوريا بالتنسيق مع النظام، كأفرادٍ أو أموالٍ أو حتى بعض جرحى النظام ومصابيه وغيرها من الأغراض التي يمكن للبوارج الإيرانية خدمة النظام من خلالها، ومن هنا فالأمرين مختلفين وإن بدا الاستعراض في كليهما واضحاً. لقد بدأت الإشارات تنطلق من أكثر من عاصمةٍ غربيةٍ لإمكانية قائمةٍ لتسليح المعارضة السورية ودعم الجيش السوري الحرّ وتبدو الدول العربية مستعدةً لمثل هذا الموقف وأحسب أنّ دعم الجيش الحرّ غير كافٍ لمواجهة بطش الجيش الأسدي بل لابدّ أن يترافق معها عملٌ عسكري خارجي وهو الهدف الذي بدأ المجلس الوطني السوري يطالب به علناً قبل اجتماع «أصدقاء سوريا» في تونس، وهو ذات الهدف الذي لم تزل حناجر السوريين تصرخ به وهي تتحشرج بالدماء وتشرق بتعفن الجثث. لقد كان نائب قائد الجيش السوري الحرّ مالك الكردي صريحاً في هذا السياق حين قال: «أما المطلوب فعلياً فهو أبعد من السيناريو الليبي .. نحن نطالب بتأمين غطاءٍ جويٍ وبحريٍ من قبل الناتو يترافق مع دخول قوّاتٍ تركيةٍ-عربيةٍ .. لأنّ الجيش الحرّ وفي حال تسليحه فهو قادرٌ على إسقاط النظام ولكنّ ذلك سيتطلّب وقتاً طويلاً» الشرق الأوسط.الخميس الماضي.

حين كان الشعب السوري يطالب بالتدخل الخارجي قبل أشهرٍ كان بعض الساسة والمثقفين السوريين المعارضين يتردّدون في تأييد تلك المطالبة ولكن اليوم حين يستصرخ الشعب السوري لتدخلٍ عسكري أصبح الجميع يؤيّد هذا المطلب ويدفع باتجاهه، والمطلوب من «أصدقاء سوريا» كبيرٌ شرط أن يكون سريعاً وفعّالاً.